وخلال الأشهر القليلة الماضية، شهدت مواقع التواصل الاجتماعي تداول عدد من مقاطع الفيديو التي توثق جوانبا من احتفالات الصحراويين بأعراسهم، والتي ظهر من خلاله شباب وهم يمنحون عرائسهم أموالا ماليا هامة في إطار المهر، ما جعل شريحة كبيرة من المتابعين تتساءل عن القيم المالية المحدَّدة للمهر في الصحراء.
وفي اتصال Le360 بعدد من الباحثين في التراث الحساني، أكدوا أن أهل الجنوب المغربي لا يحددون قيمة المهر لعائلة العريس، إذ أنهم يرفضون الدخول في المفاوضات المادية التي من شأنها أن تحول ابنتهم إلى سلعة للبيع، تاركين العريس يحدد المهر الذي يناسب إمكانياته المالية.
وأشارت مصادرنا إلى وجود تناقض غريب في ما يخص مسألة المهر، والمتمثل في كون العائلات الصحراوية وبالرغم من عدم تحديدها لقيمة مهر بناتها، إلا أنها دائما ما تنتظر من العريس أن يقدم مهرا غاليا يرفع من شأن الفتاة بين صديقاتها وبنات عمها، وإن لم يحدث ذلك فإن العريس سيكون عرضة للانتقادات اللاذعة. ويطلق الصحراويون على هذا التناقض عبارة "لكحال".
وبالنسبة للفيديوهات المنتشرة على "فايسبوك" و"انستغرام"، التي توثق منح بعض الشباب لمبالغ مالية تفوق 20 مليون سنتيم في إطار المهر، تؤكد مصادرنا أن تلك المشاهد هي مجرد استثناءات، ولا يمنح تلك المبالغ سوى الأثرياء، فيما لا يتعدى مهر الطبقة المتوسطة مبلغا ماليا لا يتجاوز 5 ملايين سنتيم (كلٌّ حسب استطاعته)، بالإضافة إلى رؤوس من الإبل والغنم، وبعض الهدايا المقدمة للعروس من ملابس وعطور و وأحذية وحقائب، وحيثيات أخرى مثل الحناء والقرنفل وغيرها...
ووفقا لمصادرنا، فإن الرجل الصحراوي لا يشترط على العريس الراغب في طلب يد ابنته شروطا كثيرة، سوى الشرط الوحيد المتوارث بين الأجيال منذ سنين طوال، وهو "لا سابقة ولا لاحقة، وإلا فأمرها بيدها أو بيد وليها"، أي أن يكون العريس غير متزوج بامرأة قبلها، ولا سيتزوج عليها بأخرى، وإلا فسيكون من حق المرأة حسم مصيرها معه حسب إرادتها الخاصة وإرادة ولي أمرها.
وفي سياق مرتبط، فإن الرجل الصحراوي إذا ما غضبت منه زوجته وراحت إلى بيت أهلها، فإنه سيكون ملزما بدفع "مهر" جديد، أي مبلغ مالي هام مصحوب بجمل أو ناقة بغاية إرضائها، خصوصا إن كان قد ارتكب أمرا يستحق منها القلق والغضب.
هذا وتحظى المرأة الصحراوية باهتمام بالغ في المجتمع الحساني، وهو أمر ليس حديث العهد، بل ممتد منذ أزمنة بعيدة، ولعل أبرز دليل على ذلك ما جاء على لسان الرحالة الفرنسي كاميل دولوز خلال زيارته للمنطقة سنة 1888، حيث قال: "إن الرحل ورغم قسوتهم وغضة قلوبهم، فهم ينقلبون داخل خيامهم إلى قلوب مفعمة بالرحمة تجاه المرأة والأولاد، وهم ضد التعدد، والمرأة عندهم تتمتع بقدر كبير من الحرية".