وهكذا، وعلى مدى ثلاثة أيام متتالية، كان عشاق أب الفنون، من أفراد الجالية المغربية المقيمة بالامارات ومواطنين إماراتيين، على موعد لعرض هذا العمل المسرحي المتميز و الرائع ل"فرقة مسرح الناس" التابعة لمؤسسة الطيب الصديقي للثقافة والابداع، في حلة جديدة وذلك بكل من بمركزي "دبا الحصن "و"خورفكان" الثقافيين و معهد الفنون المسرحية بإمارة الشارقة.
وقد ارتأى الفنان محمد مفتاح، إحياء المسرحة بإخراج جديد وبرؤية فنية حديثة بعد أزيد من نصف قرن ، حيث تتمحور حول الشيخ عبد الرحمان المجدوب برباعيته المتداولة في التراث الشعبي الشفاهي المغربي، المليئة بالعبر والحكم.
ويدون هذا العمل المسرحي ، الذي ألفه الراحل الطيب الصديقي سنة 1966، مقولات الشيخ سيدي عبد الرحمان المجدوب ، في سفره عبر مغرب العهد السعدي، حيث عمل على استنباط وسبر أغوار شخصية هذا الشيخ.
وقد جعلت مخلية المؤلف، شابا من العصر الحديث، يعبر أجيالا وقرونا لتعلم فن الحلقة، فإذا به يصادف رواة جامع الفنا، في استحضارهم لسيرة سيدي عبد الرحمان المجدوب .
وأصر الطيب الصديقي على أن يستلهم هذه اللوحة الفنية بأساليب فرجوية مغربية، مبرهنا بأن "الحلقة" هي نوع مسرحي عريق .
ووصف الفنان محمد مفتاح هذه المسرحية ب"التاريخية" لأنها تحكي حياة وسيرة ذاتية لشخصية وطنية مغربية، هي سيدي عبد الرحمان المجدوب، الذي ازداد في نهاية القرن ال 16 وعايش فترة الاطماع الخارجية التي كانت تتربص بالمغرب من طرف البرتغاليين والاسبان كرد فعل على انهزام البرتغال في معركة واد المخازن ،مشيرا الى أن هذا العمل المسرحي يتطرق لجزء من ديوان سيدي عبدالرحمان المجدوب.
وأضاف في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء أن المسرحية تتوزع على عدة لوحات "شيقة برؤية حديثة تم خلالها المحافظة على التراث والقيم اللغوية وتم اختزال المشاهد لتفادي إحساس المتفرج بالملل حيث يتم الانتقال به بين هذه اللوحات بشكل تدريجي من الهزل الى الجد إلى الدراما" ،معربا عن أمله في أن يساهم العمل المسرحي الخالد في إعادة تقريب التراث المغربي العريق إلى الجمهور منهم أفراد الجالية المغربية بالامارات الذين استمتعوا بمشاهدة المسرحية.
من جانبها عبرت الفنانة آمال الثمار، عن سعادتها بالمشاركة في هذا العمل القيم ، مبرزة أهمية تعريف الشباب والأجيال الصاعدة بالتراث المغربي العريق ومنها "سيرة سيدي عبد الرحمان المجدوب" بالنظر لما يتضمنه من حكم ومواقف تسري على الوقت الراهن .
وأضافت أن الراحل الطيب الصديقي ،الذي أعد وقدم المسرحية منذ ستينيات القرن الماضي ، كان متشبثا بالتراث وبكل ما هو أصيل من حيث الملابس والكلام المنمق، مبرزة أن الاستاذ مفتاح نجح في إخراجها في قالب جديد يتكيف مع الواقع .
واعتبرت أن هذه الحلة الجديدة للمسرحية أفرزت "حسا جديدا من خلال الارتكاز على ممثلين من مختلف الأعمار والتجارب المسرحية "، مشيدة بمبادرة عرض المسرحية خارج الوطن لإنها تتيح للمسرح المغربي الانفتاح على آفاق وعوالم أخرى وبالتالي تعزيز التبادل الثقافي مع البلدان الشقيقة والصديقة. بدوره أكد محمد بكر الصديقي رئيس مؤسسة الطيب الصديقي للثقافة والابداع أن عرض هذه المسرحية يندرج في إطار الأنشطة والأهداف البارزة للمؤسسة والمتمثلة أساسا في إحياء الذاكرة المسرحية والفنية للراحل الصديقي وتعريف الاجيال الصاعدة برصيده الثقافي الزاخر ، مشيرا إلى أن هذا العمل المسرحي تم اخراجه مجددا من طرف الفنان المقتدر مفتاح الذي تتلمذ ضمن فرقة مسرح الناس للطيب الصديقي . كما أعرب عن سعادته بعرض المسرحية في الامارات العربية المتحدة بفضل الشراكة مع الوزارة المكلفة بالمغاربة المقيمين بالخارج وشؤون الهجرة من أجل صلة الوصل بين الثقافة والموروث الثقافيين المغربيين والمغاربة المقيمين بالخارج وكذا الجمهور الاماراتي الشقيق. من جانبه، قال الزياني كثير ،ممثل وعضو مؤسسة الطيب الصديقي للثقافة والابداع، ان مسرحية "سيدي عبد الرحمان المجدوب"، التي تعد جزءا من التراث المغربي الذي يتعين الحفاظ عليه، تتضمن دروسا وعبرا وحكما صالحة لهذا العصر وربما للعصور المقبلة .
وشدد على أن الفنان محمد مفتاح أضفى على المسرحية شكلا جديدا ومعاصرا لاسيما من خلال اللوحات الغنائية التي تشد المتلقي وكذا تناسق الألوان والملابس والانارة والموسيقى المغربية .وخلص إلى القول " ما أحوجنا إلى مثل هذه الأعمال المسرحية الجادة الهادفة من اجل مسرح مغربي حقيقي".
ويشارك في أداء أدوار هذا العمل المسرحي كل من محمد مفتاح ، وآمال الثمار ، ومصطفى الخليلي ، وفاطمة إبليج ، وسناء كدار ، وجلال قريوا ، والصديق مكوار ، وعمر البحاري ، وخالد الناصري.
يذكر أن برنامج الأيام المسرحية المغربية في الامارات ، تضمنت أيضا ، عرض ثلاث أعمال مسرحية أخرى وهي "الحكرة" لفرقة المشهد المسرحي و "العريس" لمؤسسة أرض الشاون للثقافات و " شكون بحالنا" لعبد الخالق فهيد..
تجدر الاشارة الى ان تنظيم هذه الأيام المسرحية يأتي في إطار الشراكة بين النقابة المغربية لمهنيي الفنون الدرامية وجمعية المسرحيين الاماراتيين، وذلك بالتعاون مع الوزارة المكلفة بالمغاربة المقيمين بالخارج وشؤون الهجرة.