وجاء هذا التكريم بعد مرور 36 سنة عن ميلاد هذا المهرجان، الذي كان آنذاك يحمل اسم الملتقى الأول للسينما الإفريقية بخريبكة، وذلك عقب تأسيس الجامعة الوطنية للأندية السينمائية بالمغرب كنواة لا يمكن التغاضي عن دورها الفعال في تطوير مكامن وتجليات الفن السابع من خلال هذا الملتقى الإفريقي السنوي.
وقد عرض بالمناسبة شريط وثائقي معزز بشهادة حية تكشف عن أهمية هذه الالتفاتة، التي جاءت عقب ترأس المرحوم للجنة تحكيم المسابقة الرسمية للدورة الخامسة عشر (2012) ، مبرزة أن المهرجان لم يتنكر لمن واكبوا فترة مخاضه قبل الإعلان عن لحظة الميلاد كاعتراف رمزي لوفائه الدائم، واستحضار لعطاءاته الفياضة التي تتواصل آثارها لا محال في دعم الحقل السينمائي وكذا باقي الإبداعات الفنية المرتبطة أساسا بالمشهد السمعي البصري.
من خلال هذه العروض تم رصد جانب من المسار الحافل الذي قطعه محمد الدهان قيد حياته حيث كان أستاذا جامعيا عقب حصوله على شهادة الدكتوراه في علم الاجتماع، وذلك فضلا عن ارتباط اسمه بمجموعة من البرامج الأسبوعية من قبيل "ميكرو-سكوب" بالإذاعة والتلفزة المغربية سنة 1987 و"الشاشة الكبرى" بالقناة الأولى المغربية من 1987 إلى 1990.
وقد خلف محمد الدهان وراءه عصارة سنوات من التجربة من خلال مقالاته الصحفية والدراسات والأبحاث التي أجراها حول السينما في الصحف المغربية والأجنبية والمنشورات الجامعية، كما سبق له أن نشط سلسلة من الحلقات والندوات العلمية خاصة بكلية الآداب بالرباط تمحور موضوعها حول "السينما والتاريخ والمجتمع" و" السينما والعلوم الإنسانية".
وسبق للراحل أيضا أن درس تاريخ السينما بالمعهد العالي للفنون الدرامية والتنشيط الثقافي سنة 1986 فضلا عن عضويته في لجن التحكيم للعديد من المحافل والمهرجانات الوطنية والدولية خاصة عقب انخراطه في تأسيس النواة الأولى للجامعة الوطنية للأندية السينمائية بالمغرب سنة 1973.
ومما ميز حفل الافتتاح هذه الدورة، الممتدة إلى غاية 29 يونيو الجاري، تدشين المسابقة الرسمية للمهرجان بتقديم فيلم "بولنوار" للمخرج المغربي حميد الزوغي في أول عرض له بالمغرب وعلى المستوى القارة السمراء.
ويحكي هذا الإبداع الفني، المقتبس من رواية "بولنوار" للكاتب المغربي عثمان أشقرا، عن مرحلة من تاريخ هذه القرية المنجمية الصغيرة، التي جعلت من أحد العاملين في مناجم الفوسفاط زعيما نقابيا حاول بتنسيق مع نقابي شيوعي فرنسي نزع فتيل الحرب لمناهضة كافة أشكال الاستغلال التي كانت تعيشها الطبقة الشغيلة آنذاك.
وقد حاول المخرج الزوغي عبر أحداث هذا الفيلم، الذي كان وراء كتابته السينمائية بلعيد أكرديس احد أبناء المنطقة، تقريب المتلقي في ظرف ساعة و55 دقيقة من السبل التي كان يعتمدها المستعمر الفرنسي عقب اكتشافه لهذه الثروة المعدنية، حيث كان همه الوحيد العمل على استنباطها من جوف الأرض دون المراعاة لوضعية العمال المستغلين أبشع استغلال في ظروف قاسية.
ويأتي هذا الفيلم ضمن ثلاثة أفلام مغربية تتبارى على مدى أسبوع للظفر بجوائز هذه الدورة، المتراوحة قيمتها ما بين 25 ألف و100 ألف درهم، وذلك في مواجهة لإبداعات فنية أفرزتها الملكة الفكرية لعدد من المخرجين الأفارقة القادمين أساسا من مصر وتونس وجزر الموريس ومدغشقر والسينغال وساحل العاج والطوغو و نيجيريا و بوركينا فاسو وانغولا وتنزانيا والموزنبيق والنيجر وغينيا بساو.
ويبقى على عاتق لجنة التحكيم الرسمية، برئاسة المدير العام للمكتب الوطني للسينما الافوارية فاديكا كرامو لانسيني والتي تضم كل من الفنانين السنمائيين الغابوني بول موكيطا والبنيني دورتي دوكنان والفرنسية كاترين جان جوزيف سانتيك والمغاربة لحسن زينون و حنان الفاضلي وسناء العلوي، الحسم في الطبيعة الفنية والتقنية للأفلام المتنافسة لانتقاء الفائزة منها خاصة بجائزة "عصمان سامبين الكبرى" التي ارتفعت قيمتها هذه السنة من 70 ألف إلى 100 ألف درهم.