نعم إنه يجري التعامل بغرابة لأن الكثيرين يضعون كفاءة الرجل على الجانب، ويستفسرون عن ملامحه، أو يعلقون عليها.
هذا المدرب الذي يفعل العجب العجاب هناك في قطر، لم ينزل من السماء ليلقي عصاه السحرية على الملاعب القطرية ويحول كل لاعب أردني إلى إنسان آلي، بل استنجد بخبرته الكبيرة لاعبا ومدربا، وقناصا للألقاب أيضا بالصفتين، لكن الكثيرين يستعيرون ذاكرة السمك حين يتعلق الأمر بهذا الرجل.
أنه يشتغل بجد ويعلم ما ينتظره في حال الإخفاق، لذلك يفضل أن يحقق أفضل النتائج طالما أنه يعرف جيدا أن النتائج هي الصديق الوحيد لأي مدرب.
من هذا المنطلق يفضل أن يعمل على نحو جيد، وينجز المطلوب منه وإن تطلب ذلك التحامل على نفسه، لإسعاد الآخرين، وقمع فرحته التي تبقى حبيسة الداخل.
طريق عموتة نحو الأردن لم تكن مفروشة بالورود، فهذا الرجل الذي رأى النور عام 1969 في الخميسات، تعلم الأبجديات بمعنييها التعليمي والكروي في مسقط رأسه، ووازى بين التحصيل الدراسي والتألق بين أقرانه في عالم كرة القدم وكان من الطبيعي أن تقتنصة عيون الكشافين، فجرى ضمه للمنتخبات السِّنية، وتزامنا مع حصوله على شهادة البكالوريا انضم إلى صفوف الفتح الرباطي، ووفق في الولوج إلى المعهد العالي للدراسات « مولاي رشيد » شعبة الرياضة، ولم يتطلب منه التأقلم مع أجواء الرباط وقتا كثيرة، إذ سرعان ما أصبح علامة مميزة في صفوف الفتح.
تزامن تألقه مع الفريق الرباطي مع مجيئ المدرب الراحل أولك فيرنر الذي عين لتدريب المنتخبين الأول والأولمبي، وهكذا لعب في صفوف المنتخبين مطلع التسعينيات، وحضر التظاهرات التي كانت ممكنة آنذاك على غرار أولمبياد برشلونة 1992.
كان من بين رفاقه في الدراسة والفريق سعيد شيبا المدرب الحالي لمنتخب أقل من 17 عاما. ولما تخرج من معهد مولاي رشيد، أزفت ساعة الرحيل وتوجه رفقة صديقه عبد الحليل حاجي إلى السعودية حيث دافعا عن ألوان فريق الرياض، حين كانت فرق الدوري السعودي تتهافت على اللاعبين المغاربة، قبل أن تفرق بينهما السبل، إذ توجه حاجي إلى الصين، في حين اختار عموتة خوض تجارب كثيرة في قطر والإمارات العربية المتحدة.
كان عموتة يوقع على حضور جيد خلال تجاربه الاحترافية في الخليج، ويحصد الألقاب ويثير الإعجاب، لكنه كان يتألق وينسى، ليفكر في المستقبل، من هذا المنطلق ورغم أن دبلوم معهد مولاي رشيد كان يؤهله ليصبح مدربا، فأبى إلا أن يواصل التحصيل العلمي، هكذا اجتاز بامتياز دورة تدريبية من تنظيم اللجنة الأولمبية الدولية، ولم يصل العلم بذلك حتى سنة 2005 حين أرسلت الجامعة الملكية لكرة القدم المدرب جمال فتحي لاجتياز الدورة ولما لفت تميزه الأنظار قال له المؤطرون أنت ثاني مغربي يتميز ويحتل المركز الأول في دفعته، إذ سبق للحسين عموتة أن حقق ذلك.
كانت مرحلة العطلة السنوية لعموتة التي يقضيها في المغرب تمر في هدوء تام، إذ لم يكن يتردد على الصحف والأماكن التي يرتادها الصحفيون للتبشير بإنجازاته، بل يقضيها وسط الدفء العائلي، في انتظار العودة إلى حرارة الخليج.
إنه طبع الرجل الذي لم يكن يحاسبه عليه أحد، كان يشتغل لتأمين مستقبله ومستقبل عائلته، في قطر دافع عن ألوان السد وتوج معه بالدوري وكأس الأمير وكأس ولي العهد وكأس السوبر كما ان هدافا للدوري قبل أن يرحل إلى نادي الشارقة ويعود إلى الدوري القطري للدفاع عن ألوان نادي قطر الذي أحرز معه كأس قطر.
عاد عموتة إلى المغرب محملا بالتجارب إلى الخميسات مسقط رأسه ومثل ما كانت خطواته الأولى لاعبا في صفوف الاتحاد الزموري للخميسات، أصر على أن يكون نهاية مرحلة اللعب بقميص الفريق نفسه فزاوج بين اللعب والتدريب قبل أن يصبح مدربا، ويحقق نتائج جيدة لفتت أنظار كيف لا وهو الذي قاد الفريق لاحتلال المركز الثاني في البطولة الوطنية في الموسم الكروي 2007 - 2008.
كان قدر الرجل أن يشتغل مع فرق لعب في صوفها، هكذا كانت تجربته مع الفتح، فبعد أن أخفق مدربون كبار في تمكين فريق العاصمة استرجاع بريقه كان لعموتة الفضل في ذلك، وهكذا قاده للفوز بكأس العرش وكأس الاتحاد الإفريقي.
عاش المدرب وفريقه شهر عسل لا ينسى، إذ أعاده إلى دائرة الألقاب، وأحرزه معه لقبي كأس العرش والاتحاد الإفريقي سنة 2010، وضاع منه لقب السوبر الإفريقي بضربات الترجيح.
وتكررت قصة تدريب الرجل للفرق التي سبق أن لعب في صفوفها مع السد القطري، فبعد مرحلة مهمة مع الفتح بين عامي 2008 و2011 تعاقد معه السد ليصبح مديرا فنيا لعب، وفي عام 2012 صار مدربا للكتيبة التي كانت تضم في صفوفها النجم الإسباني راؤول غونزاليس، واستمر في منصبه حتى 2016.
سنة 2017 أصبح الوداد البيضاوي أول فريق يدربه عموتة دون أن يلعب في صفوفه علما أن هذا ممكنا لأن بعض مدربي الفريق البيضاوي عبروا عن رغبتهم في ضمه إلى القلعة الحمراء حين كان لاعبا، وفي مقدمتهم الأوكراني يوري سيباستينكو.
وقاد المدرب المغربي الوداد للظفر بلقب البطولة الوطنية في موسم 2016 ـ 2017، وأحرز معه لقب عصبة الأبطال الإفريقية سنة 2017، ويحسب له أنه أول مدرب مغربي يقود فريقا للفوز بعصبة الأبطال، بعد أن كان ثاني مدرب مغربي يتوج بكأس الاتحاد الإفريقي عام 2010 مع الفتح، بعد عبد القادر يومير الذي توج باللقب سنة 1996 مع الكوكب المراكشي.
غادر الحسين الوداد من الباب الكبير، معنويا على الأقل، ولم ينتظر ما سيسفر عنه الاحتكام إلى لجنة النزاعات بعد خلافه مع سعيد الناصيري، الرئيس السابق للوداد، فقد ترك القضية تطبخ على نار هادئة، وخصص وقته للتحصيل العلمي، إذ عاد إلى معهد مولاي رشيد لمواصلة الدراسة وحصل على الماستر.
مقابل اجتهاده في العمل، والنتائج التي حققها محليا وخارجيا، أسندت له مهمة تدريب المنتخب المحلي وفاز معه بلقب « الشان » سنة 2020
كما قاد المنتخب نفسه في كأس العرب عام 2021، التي كانت بالنسبة لقطر بمثابة تمرين على تنظيم مونديال 2022. وتوقفت المسيرة آنذاك في ربع النهائي.
ولم يكتب لتجربته الثانية مع الوداد أن تكتمل، إذ غادره بالتزامن مع مونديال قطر بسبب خلاف مع الرئيس السابق سعيد الناصيري.
وقبل انتهاء الموسم الكروي عاد لخوض تجربة العمل مع الفريق المغربية بصفة مشرف عام على الجيش الملكي، وتوجيت التجربة بإراز لقب الموسم الكروي الماضي.
لم يكتب لتجربته مع الجيش الملكي أن تكتمل، إذ تلقى عرضا لتدريب المنتخب الأردني، الذي يواصل معه التألق في نهائيات كأس آسيا.
لم تكن البداية سهلة للمدرب المغربي، كما أنها لم تكن مفاجئة، لأن التجربة الدولية للنشامى تبقى محدودة والدليل تحديد بلوغ ربع نهائي كأس آسيا هدفا في العقد بين الطرفين.
تناسى الكثيرون أن عموتة غامر بما راكمه لخوض التجربة، وأنه ليس مدربا يخاف المغامرة، لأنه لم يخش أن يكون أول اختبار بعد وصوله مواجهة المنتخب النرويجي بماكينة الأهداف هالاند.
كانت الهزيمة قاسية (6 ـ 0) ومنطقية أيضا، للفارق الواضح، لكن آلة النقد تحركت بشكل غريب، وتواصلت مع توالي الصعوبات، لكن عموتة الذي يحلم البعض بضحكته لم يبع الأردنيين الوهم، وأكد لهم أن بوادر منتخب جيد متوفرة وتتطلب العمل، وانبرى للمعمل مديرا ظهره للنقد، والتشكيك والدعوات لقراءة الفاتحة على روح النشامى و...
لم يذهب الأردن وهو بدون تاريخ لكن من تجاهلوا تاريخه قدراته، حبا في منتخب بلدهم أو لغياب بعد النظر شرعوا في نحو كل التعابير السلبية والمسيئة أحيانا ويعبرون عن أملهم في أن يبقى عموتة في الأردن التي أضحى فيها أشهر من نار على علم.
مع انطلاق المنافسات فوجئ الأردنيون بمنتخبهم وهو يكبر في دورة قطر لكأس آسيا، وصار اليوم من حق عموتة أن يمشي فوق السحاب، لكن المؤكد أن الرجل لن يفعل، لأنه يتنفس العمل، ولا يعرف الغرور إليه سبيلا، فبعد التعبير عن سعادته بتجاوز سقف الطموحات، رفض الالتفات إلى العروض التي تنهال عليه، ولم يبال بمتمنيات الكثيرين ويواصل العمل بصمت.
هذا هو الحسين عموتة الذي تساءل الكثيرون لماذا لا يضحك لنا، وتناسوا أنه لجديته النادرة لا « يضحك علينا »، تاركا هذه المهمة للكثيرين.