كيف لا، وقد طلعت علينا جماهير بعض الدول العربية، وبشكل خاص جمهور الجارة الشرقية بأفعال مثيرة للاستغراب، وتؤكد أننا بصدد حالة تتطلب الدراسة والتحليل، فالشعب الذي كان يحرك عواطفنا بعبارة « خاوة.. خاوة » هو الذي شبه المغاربة بالقردة ذات مرة وتهكم على الموز الذي يضحي بالغالي والنفيس لاقتنائه، وهو الذي خرج للاحتفال بطريقة هستيرية، بعد خروج المنتخب الوطني المغربي لكرة القدم من ثمن نهائي « الكان » وكأن منتخبه بلاده تألق وسارت بذكره الركبان.
لم يكتف من جرى اللعب بعقولهم بالاحتفال بل سمحوا لأنفسهم بحرق العلم الوطني المغربي، وأعادوا حكاية القرد بإخراج بئيس إذ ألبسوا قردا قميص المنتخب الوطني المغربي، وأثبتوا أنهم كانوا مستعدين لفعل أكثر مما أملي عليهم.
لا ألتمس أي عذر للذين ذهبت بعقلهم النشرات الإخبارية للنظام العسكري، الذي لم يكتف بأن يشكل له المغرب عقدة، ولم يجد غير معاداته والتحرش بوحدته الترابية، لتبرير جرائمه في حق بلاده وشعبه، بل نقل عدوى الغيظ غير المبرر إلى أفراد شعبه، إلى درجة لم يعد ينفع معها السؤال « أليس فيكم رجل عاقل؟ ».
يتجه نظام « الكابرانات »، مع الأسف، نحو تحويل الجزائر إلى مستشفى كبير للأمراض العقلية، لأن الكثيرين من أبناء شعب هذا البلد أصبحوا مدجنين ويؤمنون أشد الإيمان بأن المغرب يشكل بالفعل خطرا عليهم، وبالتالي فإن ما يحققه المغرب من نجاحات، فإنها تتحقق على حساب بلدهم. وبالتالي إنما يلحق به من عثرات في أي مجال تستدعي الاحتفال.
كثرت انتكاسات الجزائر، ومشاكلها أيضا، وأيضا تحرشاتها بالمغرب، لكن لم يطلب من المغاربة قط التعبير عن الفرح أو التشفي، في حين يحدث العكس في الجزائر للتغطية على كل الجرائم التي يقترفها نظام « الكابرانات » في حق الشعب الجار، كأننا نحن من يستنزف أموال هذا الشعب ويصرفها على شرذمة « البوليساريو »، ويحول عائدات الغاز الذي يصدر إلى الخارج ووجهات غير معلومة.
أن يعرف الشعب الجزائري ما يقترف في حقه من قبل من يقودون دفة الحكم في بلده، أو لا يعرف، لم يعد أمرا مهما في نظري، طالما أنه فضل سياسة إغماض العيون عن الحقيقة، وتطاول على المغرب.
من حق المواطن المغربي أن يستغرب للجنون الذي أصبح طاغيا في الجارة الشرقية، وأن يتجند للدفاع عن بلده وإخوته، لأن السيل بلغ الزبى.
إنهم لم يحترموا لا الجوار، ولا الانتماء إلى القارة الإفريقية، والأمتين العربية والإسلامي، ولا أي شيء يجمعنا بهم. ولم يقدروا المواقف التاريخية للمغرب وكشروا عن أنيابهم للتنكيل بنا، علهم ينسون مشاكلهم ومآسيهم، وطالما أنهم اختاروا هذا التوجه، فمن حقنا أن نذكرهم بأننا شعب يقول « اللي لقى راحتو فلهبال ما عندو ما يدير بالعقل ».
تأسيسا على ما سبق، علينا أن نهتم بأنفسنا وننشغل ببلدنا، ونواصل التأكيد أنه لا قياس مع وجود الفارق. فالمغرب سيواصل المسار الذي اختاره لنفسه، ولن يؤثر عليه النباح، الذي يتردد من الجهة الشرقية لأننا نقول « كلب نبح، ما عض ما جرح ».
بالفعل لا قياس مع وجود الفارق، فالمغرب وإن لم تتعامل معه الطبيعة بسخاء، وليس بلدا بتروليا استطاع أن ينجز ما عجز عنه الآخرون، وتمكن من الارتقاء بشكل لافت، ولا يبحث عن أعذار للتبرير، بل يواصل التحدي.
بالمقابل فإن من وجدوا في نهب ثروات بلدهم وتهريب السلع المستوردة والمؤدى مقابلها من أموال شعبهم، وهي في أعماق بالحار يبررون موقفهم المخزي باختلاق الأكاذيب وإيهام شعبهم بأن المغرب « الخطير »، هو الذي يقف حجر عثرة أمام تقدم بلدهم، و...
ظل الكابرانات يرددون الخرفات صباح مساء، وجرى شحن من يقودونهم، إلى درجة أصبحوا معها مستعدين للعب دور الدمى المتحركة، التي تسير حيث رغب من يحركها في أن تسير، وكان ما حدث بعد إقصاء المنتخب المغربي من « الكان » عرضا من العروض المثيرة للشفقة، والاشمئزاز في الآن نفسه، إذ لم يترك لنا مجالا للتمييز بين الكركوزة ومن يرقصها.