أصبح مألوفا، عقب كل مبارة في كرة القدم، أن تسود حالات التخوف من إندلاع مواجهات دموية بين المشجعين أو إتلاف عشرات المحلات التجارية والسيارات، علما أن المصالح الأمنية باشرت عددا من الإجراءات للحد من الشغب من خلال تدابير استباقية وأخرى تأديبية في حق المشاغبين، مثل المتابعة القضائية للمتورطين وإلزام الفرق الرياضية بتحديد سقف عدد مشجعيها الذين سيلجون الملاعب لمتابعة مبارياتها، وتكليف شركات للأمن الخاص ومختصين بمراقبة التذاكر، إضافة إلى تعزيز الملاعب والمدرجات بكاميرات ترصد حركات المتفرجين، ومنع المشجعين القاصرين من ولوج الملاعب. فهل نجحت هذه الإجراءت في الحد من حالات الشغب؟
كل الأحداث الأخيرة تشير إلى أن الشغب أصبح سمة تلازم أغلب مباريات الكرة المستديرة، آخرها الأحداث التي شهدتها مدينة مكناس،إذ لم تنجح كل الإجراءات القانونية ومحاكمة المشاغبين في ردعهم، وواصل هؤلاء إحداث الفوضى في الملاعب والأحياء المجاورة مخلفين خسائر بشرية ومالية.
من جانبها تؤكد الوزارة الوصية، خلال كل ندواتها، أن مسألة التصدي للظاهرة أولوية بالنظر إلى أنها تمس بالممارسة الكروية وبالروح الرياضية، علما أن محمد أوزين، وزير الشباب والرياضة، صرح خلال تدخل بمجلس النواب، بأن ظاهرة الشغب بالملاعب أضحت "معولا يهدم كل الجهود المبذولة لبناء رياضة وطنية محترفة متطورة"، مؤكدا أنه لا يمكن التغاضي عنها أو الاستهانة بخطورة النتائج المترتبة عنها، فالوزارة تضع مسألة التصدي لهذه الظاهرة ضمن أولوية الأوليات وتتخذ كافة التدابير والإجراءات لمحاربتها بنهج مقاربة تشاركية واعتماد استراتيجية واضحة ترتكز أساسا على إحداث لجنة وطنية موسعة للوقاية ومحاربة العنف في الملاعب الرياضية تضم كل الفاعلين والمتدخلين والقطاعات ذات الصلة، حسب قول الوزير نفسه.
ولم تمنع كل هذه التصريحات وإصرار كل المتدخلين على مواجهة الشغب في الحد منه أو حتى التقليل منه، حتى أنه اتخذ أشكالا خطيرة داخل الملاعب بعد تعدد حالات تهريب المخدرات و الأسلحة البيضاء والقنينات الحارقة والشهب الاصطناعية، مما دفع رجال الأمن، غير ما مرة، إلى التدخل لفض المواجهات بين المشجعين لحماية ممتلكات المواطنين والحفاظ على سلامتهم، وحرصهم على تطبيق القوانين الزجرية، خصوصا حين تتحول المواجهات إلى خارج الملاعب الرياضية، وتستعمل فيها مختلف أنواع الأسلحة، وتؤدي في النهاية إلى إصابات خطيرة، وأحيانا حدوث وفيات، دون الحديث عن إلحاق خسائر فادحة بوسائل النقل العمومية والخاصة.فهل أثبثت المعالجة "القانونية" فشلها في الحد من شغب الملاعب؟
الأكيد أن الوقوف عند أسباب الشغب أمر معقد ومتشابك، فإحدى الدراسات كشفت أن "المشاكل التي يعيشها المشجعون تدفع بهم إلى القيام بمثل هذا الشغب داخل الملاعب، إذ يجدونها فرصة مواتية لإفراغ مشاكلهم النفسية داخل المركبات الرياضية، كما تعتبر وسيلة للانتقام من مؤسسات الدولة والمسؤولين عن طريق تكسير المرافق العمومية والهجوم على رجال الأمن وحمل شعارات نارية تصل في بعض الأحيان إلى المس برموز الدولة".