تنبني هذه الرؤية التي انتهجتها الجمعية وفق مقاربة حداثية في أفق وضع «سياسة عمومية خاصة بالسينما تعزز حقوق الإنسان، خاصة حقوق المرأة، وتضمن حمايتها من كافة أشكال التمييز والعنف». وتسعى هذه الدراسة التي تطلّب إنجازها تعبئة مهنيي قطاع السينما في المغرب بهدف تعميق التفكير والفردي والجماعي، إلى الإجابة على مجموعة من الأسئلة ذات الصلة بـ « أشكال العنف الأكثر تفشياً في قطاع السينما والتحليل العميق للعوامل التي تؤدي إلى ظهورها وعوامل الهشاشة التي تعزز وقوعها ووسائل الانتصاف وكذلك قياس تأثير أشكال العنف القائم على النوع على تطوّر المسارات المهنية للمرأة التي تشتغل في قطاع السينما ».
خلصت الدراسة إلى مجموعة من النتائج بعدما قامت بالعديد من المقابلات شبه المهيكلة بأنّ « العنف القائم على النوع الاجتماعي يشكل جزء من الحياة اليومية للمهنيات في قطاع السينما في المغرب. ومن بين 15 مشاركات في تلك المقابلات، أكّد 80 في المائة أنهم تعرضوا ـ تعرضن أو شهدوا ـ شهدن حالة واحدة على الأقل نت العنف القائم على النوع الاجتماعي خلال حياتهم ـ حياتهن المهنية. أما نسبة 20 في المائة المتبقية، فتُشير إلى أنّا لم تشهد أي نوع من العنف القائم على النوع الاجتماعي. مؤكّدين أنهم(ن) عاشوا شخصياً تجارب متعلقة بالعنف (النفسي، الاقتصادي، الجسدي) المرتكب خارج نطاق النوع، مؤكدين دائماً انتشار العنف القائم على النوع الاجتماعي في القطاع على الرغم من عدم كونهن شهوداً أو ضحايا أو مرتكبين لهذا العنف ».
ومن النتائج التي حصلت عليها الدراسة « وجود العنف في قطاع السينما على كافة المستويات. وأنه غالباً ما تحدث أعمال العنف نتيجة لموقف متعمّد يتمثل في الإضرار بسمعة المرؤوسة أو التقليل من شن عملها ». لهذا ترى الدراسة أنّ العنف الاجتماعي يقع نتيجة « ضعف الإطار المهني الذي يخلق بيئة مواتية لوقوع كافة أشكال العنف ضد المرأة ومن بينها ضعف مستوى تسيير ديناميات الفريق، في ظل وجود فرق غير متجانسة في أغلب الأحيان، وخاصّة خلال التصوير حيث ترتبط كل المهن ببعضها البعض (الإخراج، الديكور، المكياج) أو عدم التقدير المضبوط للموارد اللازمة للإنتاج والذي يؤثر بشكل مباشر على التزامات الإنتاج اتجاه الفرق خاصة النساء »
وأوضحت دراسة الجمعية بأنّه أمام هذا الوضع المعطّل تجد الضحايا صعوبات كبيرة وعقبات متنوعة تحول دون التبليغ عن العنف القائم على النوع الاجتماعي. إذْ يرى المصدر أنه في « ظل غياب مدونة سلوك تبسيط القيم والمبادئ الأساسية للعمل داخل الهيكل المرتبطة بقطاع السينما، فإن آلية الانتصاف الداخلي تواجه عدة عقبات، تتمثل في عدم تعامل رؤساء الشعب بجدية مع شكايات الضحايا، ووجود ثقافة تتسامح وتستخف بجميع أشكال العنف خاصة تلك التي تقوم على العنف القائم على النوع بحجج يختلقها مرتكبو العنف من قبيل الضغوط الناجمة عن عبء العمل أو الطبيعة متعددة التخصصات للمهنة. وفي بعض الأحيان، قد يتم تبرير الاستخفاف بهذا العنف، بعيداً بالتأكيد عن الصواب، بنقص الانضباط والالتزام والقة اللازمة بالخصوص خلال التصوير. إلى جانب تبريرات أخرى غير ملموسة ويصعب الطعن فيها، خاصة لدى المهنيات الشابات اللواتي يشغلن في المهن التقنية ».
وارتكزت الدراسة على مجموعة من الأشخاص الذين قامت بمقابلة معهم، إذْ أبرزت " أنّ هناك عقبات لا تشجع على التبليغ بشكل عادي ومنهجي عن حالات العنف ».
فقد رأت بأنّ « المركز السينمائي المغربي ووزارة الثقافة يتفاعلان بشكل كير مع الشكايات المقدمة المتعلقة بالعنف القائم على النوع، غير أن دورهما يقتصر على الوساطة، وفقاً للأشخاص الذين تمت مقابلتهم، كما أن غياب عقود عمل تحمل مواد موحدة لا يشجع ضحايا العنف على التبليغ ». كما سجلت الدراسة غياب « ضعف تمثيلية المرأة داخل الغرف المهنية والاتحادات والنقابات التي تمثل بالخصوص المختصين والمختصات في المجال التقني والممثلين والممثلات: يساهم هذا الوضع في إضعاف مساهمة النساء المهنيات في عملية الترافع والتبليغ الجماعي عن العنف القائم على النوع الاجتماعي في قطاع السينما بالمغرب ».
في تصريحها الخاص لـ le360 كشفت ممثلة مغربية تبلغ من العمر 27 سنة طلبت عدم ذكر اسمها، أنّها لم تشعر يوماً بالعنف جراء النوع الاجتماعي القائم على التراتبية بين المرأة والرجل، طالما أنّها تواجه بشكل أسبوعي عنفاً جنسياً على مستوى اللفظي يدفع العديد من المخرجين والقيمين على الكاستينغ إلى التحرش بها من أجل الحصول على دور سينمائي أو تلفزيوني.
وكشفت خريجة المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي بالرباط، أنّها تعرضت صباح يوم الجمعة 17 يناير 2025 خلال شروعها في الكاستينغ بمدينة الدارالبيضاء عن دور في فيلم تلفزيوني سيُعرض خلال شهر رمضان القادم، أنّ المسؤول عن الكاستينغ لم يطلب منها أداء أيّ دور تمهيدي لتجسيد الشخصية، بقدر ما بدأ يتحرّش بها ويدعوها إلى الخروج معه.
وتُضيف الممثلة التي سبق لها أن شاركت في العديد من الأعمال المسرحية والتلفزيونية بأنّها تُفكّر حالياً في « التوقّف عن ممارسة هذه المهنة المتسخة » على حد تعبيرها. وشعرت بنوع من الندم أنّها قضت 4 سنوات من الدراسة في المعهد لتجد نفسها أمام « وحوش » لا ينظرون إلى المرأة إلاّ باعتبارها جسداً لا أكثر.
وأضافت الفنانة أنّها إلى جانب ما تتعرض له داخل الكاستينغ من لدن المسؤولين، فإنّها تتوصل دائماً برسائل نصية من لدن مسؤولين ومخرجين يتحرّشون بها ويوهمونها على أساس أنها تمتلك موهبة كبيرة وأنهم سيساعدونها على تحقيق نجاح في المجال الفني إذا ما تفاعلت مع ما يطلبونه منها من متعة.
وسبق أنّ صرّحت رئيسة جمعية التحدي للمساواة والمواطنة بشرى عبدو في حوار خاص مع le360 بأنّنا اليوم أمام ظاهرة جديدة تتمثل في العنف الجنسي الرقمي الذي ترى فيه عبدو « أنّه وصل إلى أرقام خطيرة وآثار سلبية على النساء المعنفات. رغم أنه لا يوجد هناك تشديد من ناحية العقوبات على من يرتكب هذا العنف، لكونه لا يتحدّث عن السرية لضحايا العنف أمام القضاء. إذْ لا نستطيع أنْ نتكلّم عن جلسة علنية يدخلها العموم والتي من الممكن أنْ يسجل معطياتها ويفضح ويُعمّم صورها وفيديوهاتها ومعطياتها الخاصة لهؤلاء الضحايا.
من ثمّ تعتبر « أنّ العنف شأن عام وأنّنا جميعاً ينبغي علينا التبليغ عنه وأن النيابة العامة التي ينبغي أنْ تحفظ ملفات الضحايا في الوقت الذي من الممكن أن تتراجع فيه الضحية. فالنيابة العامة ينبغي أنْ تتعامل مع ملف تلك الضحية خاص بالمجتمع وأنّ من ارتكب العنف ينبغي أنْ يعاقب جراء الجريمة التي قام بها ».
على هذا الأساس اعتبرت الممثلات داخل هذه الدراسة أنهن وصفن « هذا النوع من العنف كشكل رئيسي من أشكال العنف، حيث تُعتبر الممثلات، بالخصوص الأصغر سناً، أكثر عرضة للابتزاز الجنسي أو التلميحات ذات الطابع الجنسي أو الملامسات الجنسية. علماً أنه يتعين توخي الحذر بخصوص انتشار العنف الجنسي الذي يحدث في صمت تام من قبل الضحايا ».
مرحبا بكم في فضاء التعليق
نريد مساحة للنقاش والتبادل والحوار. من أجل تحسين جودة التبادلات بموجب مقالاتنا، بالإضافة إلى تجربة مساهمتك، ندعوك لمراجعة قواعد الاستخدام الخاصة بنا.
اقرأ ميثاقنا