بدأت فصول هاته القصة الغريبة منذ عام 2020 بدوار « وارشديق » بجماعة أيت واسيف، بضواحي مدينة قلعة مكونة إقليم تنغير، حين انبرت امرأة تمتهن الشعوذة، بمساعدة زوجها وشقيقها ووسيطة، إلى اختلاق حيلة ذكية لكسب أموال طائلة في زمن كورونا الذي اشتدت خلاله الأزمة وتوقفت خلاله عجلة الاقتصاد في العالم.
إذ شرعت المشعوذة في إيهام ضحاياها من النساء، في المرحلة الأولى، بقدرتها على مضاعفة الأموال، عن طريق وضعها في صندوق خشبي تزعم أنه يسكن فيه جني يدعى « حمو »، حيث يتولى مضاعفة أي مبلغ تضعه في الصندوق.
ووفق ما ترويه مصادر من المنطقة فإن المشعوذة حرصت في البداية على إضفاء الصدق على مشروعها السحري الذي قد لا يصدقه عاقل، فكانت تتسلم من « زبوناتها » مبالغ مالية وتضعها في صندوق « حمو »، بعد أن تمارس عليها طقوسا سحرية، ثم تشترط عليهن الانتظار لمهلة تتراوح بين شهر وشهرين، وكانت فعلا تسلم لهن المبالغ المالية مضاعفة!
مشروع سحري مُربح
ذاع صيت صندوق الجني « حمو » وانتشر في دواوير المنطقة كما تنتشر النار في الهشيم، وساعد في نشر قدراته الخارقة أعوان المشعوذة، وهم زوجها وشقيقها بالإضافة إلى امرأة أخرى تشتغل كوسيطة، كانت تتولى الترويج للمشروع السحري بين النساء خاصة.
وسال لعاب الكثير من رجال ونساء المنطقة الذين يحلمون بالثراء السريع، وكثرت الزبونات والزبائن على باب المشعوذة، إلى درجة باتت معه الطلبات تفوق طاقة « الجني حمو »، إذ بات يضاعف بعض المبالغ بينما تختفي مبالغ البعض الآخر، فكانت المشعوذة تبرر لمن اختفت أموالهم بأن « حمو لا يقبل مضاعفة الأموال التي يشوبها ولو جزء يسير من الحرام، بل يأكلها »!
الجني حمو يأكل المال الحرام
كان من بين مستثمري المنطقة صاحب مأوى سياحي، بلغت إلى مسامعه القدرات الخارقة للجني حمو، الذي يضاعف الأموال في ظرف وجيز، فسارع للالتحاق بصفوف أصحاب الطلبات، وفي يده مبلغ 10 ملايين سنتيم (100 ألف درهم) سلمها للوسيطة التي طمأنته بتسليمها لمشغلتها صاحبة الصندوق السحري، وكان هذا المستثمر يمني النفس بأن يحصد ضعف المبلغ، أي 20 مليونا، في أجل قد لا يتعدى شهرين.
وبعد انقضاء الأجل الذي اشتهر به « حمو »، تلقى المقاول الخبر الصادم بأن أمواله « أكلها » صاحب الصندوق السحري، بدعوى وجود « شبهة الحرام » في أمواله!
الجني حمو في قبضة الدرك
شكلت الصفعة القوية التي تلقاها هذا المقاول فرصة له ليغفو من الغفلة التي أسقطته في الفخ، فسارع إلى تقديم شكاية ضد صاحبة الصندوق السحري.
وبناء على شكايته، انتقلت عناصر من المركز القضائي بتنغير إلى منزل المشعوذة الكائن بدوار « وارشديق » بجماعة أيت واسيف، بضواحي قلعة مكونة، حيث جرى توقيفها رفقة زوجها وشقيقها والوسيطة.
وبعد التحقيق، كشفت المتهمة أنها تمارس هذا النشاط منذ عام 2020، مستغلة إيمان الناس بالخرافات. كانت في البداية تقوم فعلاً بمضاعفة الأموال لزبائنها، لكن في السنوات الأخيرة، لم تتمكن من ذلك، مما دفعها إلى بيع بعض ممتلكاتها لتسديد ديونها.
وجرى العثور بداخل بيتها على دفتر يضم أسماء أكثر من 60 ضحية، دونت فيه المبالغ المالية التي سلموها من أجل مضاعفتها.
وقرر قاضي التحقيق لدى ابتدائية ورززات، يوم الاثنين الماضي، بعد استماعه إلى المتورطين في قضية « الجن حمو »، متابعة المتهمة الأولى وزوجها في حالة اعتقال، وإحالتهما على السجن المحلي بورزازات، فيما تابع كلا من شقيق المتهمة الرئيسية والوسيطة، في حالة سراح، إلى حين استكمال الاستماع للضحايا الذين بلغ عددهم 60 ضحية.