ظاهرة التسول بالمغرب.. الباحث الاجتماعي الجيراري يحلل أجوبة المواطنين وتوصيات المجلس الاقتصادي والاجتماعي

DR

في 31/03/2024 على الساعة 10:00, تحديث بتاريخ 31/03/2024 على الساعة 10:00

يأتي التسول على رأس الظواهر المعقدة، التي تفرض نفسها في الحية اليومية لأفراد المجتمع بفعل تناميها. وذهاب ممارسيها إلى حد التحرش بالمواطنين استدرارا للعطف عبر مختلف الوسائل. كما أبرز أحمد رضى شامي، رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، أن تعقيد الظاهرة يكمن في « أسبابها الظرفية والبنيوية، وأبعادها الثقافية والاجتماعية والاقتصادية، وأشكالها المتعددة، وتداعياتها على الأفراد والمجتمع والنظام العام ».

وكان المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي قدم رأيا حول ظاهرة التسول بالمغرب بعنوان « من أجل مجتمع متماسك وخال من التسول ». ولتسليط مزيد من الضوء على الظاهرة والخلاصات والتوصيات طرح le360 مجموعة من الأسئلة على الباحث الاجتماعي عبد اللطيف الجيراري، الذي أكد أن « رأي المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي هذا جاء في وقته، من أجل الإجابة عن أسئلة ملحة تطرح يوميا بخصوص التسول على كل المستويات نظرا لاتساع رقعة هذه الظاهرة وتغلغلها في المجتمع المغربي حتى أضحت تؤرق الجميع ».

ومضى يقول: « إن ما جاءت به الوثيقة / الرأي يؤكد ذلك لأن غالبية المستجوبين (96.97%) يقرون بأن التسول ظاهرة منتشرة بالمجتمع المغربي. ويضيف أغلبهم (89.38%) أن التسول يوجد بشكل دائم بكل الفضاءات العمومية وغير العمومية.

ورغم اتساع الظاهرة وتنوع أشكالها وأساليبها، فإن شريحة واسعة (81.30%) من المواطنين يطبعون مع التسول ويبدون تعاطفا مع المتسولين، في حين (15%) من المستجوبين هم فقط من يشمئزون منهم ويكرهونهم.

وأضاف أن « الوثيقة تؤكد أيضا أن نسبة كبيرة من المستجوبين (67.55%) يقدمون في غالب الأحيان مساعدات مالية وعينية للمتسولين بدافع التضامن والقيم الدينية والأخلاقية بخلاف (29%) فقط من المستجوبين عبروا أنهم لم يقدموا أبدا مساعدات لهم ».

وأمام هذه المواقف التي يصفها جبراري بـ »غير الواضحة والمتناقضة تجاه المتسولين، وظاهرة التسول، فإن المستجوبين يرون أن السبب الرئيسي وراء انتشار التسول هو كونه نشاط مدر للدخل (88.72%) قبل قصور منظومة الحماية الاجتماعية والسياسات الاجتماعية العمومية (49.99%) والفقر (43.54%) والبطالة (40.16 %) وعدم القدرة على العمل (34.87%) وضعف روابط التماسك الاجتماعي (31.66%).

بناء على ما تقدم من أرقام نستنتج أن المواطن المغربي له صورة واتجاه سلبيين عن التسول لكنه في نفس الوقت يعتبر أن مساعدة المتسول تدخل في باب الواجب والتضامن والقيم الدينية والأخلاقية بينما يؤكد أغلب المستجوبين أن التسول أصبح ونشاطا مدرا للدخل (88.77%) ».

وردا على سؤال تغيى معرفة رأيه في الأجوبة المقدمة حول التسول قال: « أولا لابد من القول إن المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي أنجز عملا متكاملا وبمواصفات منهجية علمية صارمة، انطلقت من تحديد تعريف محايد لـ »التسول » إلى تقديم الحلول الممكنة لـ »بناء مجتمع متماسك خال من التسول ».

انطلاقا من هذا العمل فالأجوبة التي قدمها المستجوبون وعبرت عن وعي المواطن والمامه، باختلاف انتماءاته السوسيو مهنية، بخطورة الظاهرة وبتغلغلها في المجتمع بكل الفضاءات العمومية، وكذلك بالأسباب الكامنة وراء الظاهرة التي أصبحت تقض مضجع المواطنين والباحثين والمسؤولين وتتسع يوما بعد يوم. كذلك لابد من الإشارة إلى أن الأجوبة التي قدمتها الوثيقة لها صدقيتها، وأكدت أن:

* التسول ظاهرة اجتماعية قديمة / جديدة ومنتشرة، ترجع أسباب وجودها إلى عدة عوامل منها حسب الترتيب:

* التسول نشاط مدر للدخل؛

* قصور منظومة الحماية الاجتماعية والسياسات الاجتماعية العمومية؛

* الفقر؛

* البطالة؛

* عدم القدرة عن العمل؛

* صعف روابط التضامن الاجتماعي؛

ومضى الباحث الاجتماعي يقول « إن الأجوبة التي جاءت في الوثيقة قدمت مجموعة من المعطيات حول التسول وأنواعه والأسباب الكامنة وراء توسعه ساهمت (الأجوبة) في إزالة الغموض على الظاهرة وكذلك بينت الاكراهات التي أعاقت منظومة الحماية الاجتماعية والسياسات الاجتماعية كانت في مجملها موفقة واستطاعت أن تجيب عن عدد من الأسئلة وقدمت صورة واضحة عن الظاهرة ».

ولما سألناه هل تعكس الإجابات مسؤولية المواطن في استفحال الظاهرة؟ قال: « غالبا وللوهلة الأولى يظهر بأن المواطن، حسب إجابة المستجوبين طبعا، هو المسؤول عن استفحال الظاهرة لأنه لا غالبية المستجوبين (67.55%) يرون في فعل تقديم المساعدة واجب أخلاقي وديني وتضامني ...لكن بعد الإطلاع على كل الأجوبة يتبين أن المواطن رغم أنه غالبا ما يقدم المستجوبين المساعدة المالية المغربي فإن لهم مواقف سلبية من التسول ويزعلون سبب استشاره بالدرجة الأولى هو كون التسول نشاط مدر للدخل.

لكن لابد من أن نستنتج أن توسع ظاهرة التسول هو نتيجة استمرار تقديم المواطنين المساعدة المالية والعينية للمتسولين والمتسولات وأيضا قصور منظومة الحماية الاجتماعية والسياسات الاجتماعية العمومية والفقر طبعا.

وبخصوص الخلاصات التي توصل إليها المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي و الحلول المقترحة لبناء مجتمع متماسك وخال من التسول يقول الجيراري:

« بخصوص الخلاصات، فإننا نراها شاملة وخصت كل أبعاد الظاهرة واعتمدت كل المقاربات الممكنة. وفي الوقت الذي ركزت فيه الخلاصات على عدم تجريم التسول مادامت مسبباته مازالت قائمة، ومنها قصور منظومة الحماية الاجتماعية والسياسات الاجتماعية العمومية، والفقر وقلة فرص الشغل، فإنها جرمت استغلال الشيوخ والنساء والأطفال والمرضى وذوي الاعاقات في التسول وطالبت بتشديد العقوبات في حق كل من تبث عليه هذا الفعل الجرمي.

أما ما يقترحه المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي كحلول مقترحة للحد من ظاهرة التسول، فيقتضي التنزيل المتجانس لجملة من الإجراءات الرامية إلى تحقيق هدفين، هما ضمان احترام مقتضيات الدستور، لاسيما في ما يتعلق بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية للأشخاص في وضعية تسول؛ واحترام النظام والأمن العام. وتنتظم هذه الإجراءات في أربعة محاور متكاملة هي:

⁃ القضاء على جميع أشكال تسول الأطفال؛

⁃ حماية الأشخاص في وضعية هشاشة من الإستغلال في التسول؛

⁃ إعادة تأهيل وإعادة إدماج الأشخاص في وضعية تسول؛

⁃ الوقاية من التسول؛

لكن أهم ما سجله المجلس هو أن البحوث التي تتناول هذه الظاهرة بالمغرب فهي نادرة جدا منها:

* بحث جهوي أجري بجهة الرباط سلا زمور زعير سنة 2003؛

* وبحث وطني أنجز سنة 2007؛

وعليه اقترح المجلس أن يضع القطاع الحكومي المكلف بالشؤون الاجتماعية آليات لتتبع وتقييم هذه الظاهرة ما يمكن من:

- تعميق المعرفة بالظاهرة في المغرب من الجوانب السوسيولوجية والإحصائية، وذلك بالتعاون مع القطاعات الحكومية المعنية والجامعات والمجتمع المدني؛

- انتهاز فرصة تنظيم الإحصاء العام للسكان والسكنى المزمع إجراؤه في 2024، من أجل إدراج قضايا التسول والتشرد في العملية الإحصائية، وذلك بالتعاون مع المندوبية السامية للتخطيط؛

- رفع تقارير إلى رئيس الحكومة تُقد م معطيات محيَّنة حول تطور هذه الظاهرة والتدابير المتخذة لمحاربتها ».

وختم الباحث الاجتماعي حديثه بالقول إن « التساؤل لكن السؤال الذي يطرح نفسه لماذا هذه الندرة في البحوث حول ظاهرة التسول؟ علما أن ظواهر لا أهمية لها ولا تستحق كانت موضوع بحوث.

في الوقت نفسه هناك إشكالات وظواهر لها أهمية ولا تقبل أي تأخير نظرا لخطورة آثارها على الفرد والمجتمع. لكن ربما تجنب البحث في مثل هذه الظواهر هي الشجرة التي تخفي الغابة ».

تحرير من طرف حسن العطافي
في 31/03/2024 على الساعة 10:00, تحديث بتاريخ 31/03/2024 على الساعة 10:00