القايد والسلطان والحدود: معطيات موثقة عن النفوذ المغربي الممارس على الصحراء «الغربية»

Jillali El Adnani.

الجيلالي العدناني

في 29/06/2025 على الساعة 16:00

مقال رأيتكشف الأرشيفات عن عمق الروابط التاريخية والعسكرية والإدارية المؤكدة بين شمال المغرب وما يسمى بالصحراء «الإسبانية». وخلافا للروايات الاستعمارية أو الانفصالية، تؤكد هذه الوثائق النفوذ المغربي الممارس على القبائل الصحراوية وقدرته على تجاوز التقسيمات الاستعمارية. رحلة في أعماق مغرب منسي، ولكنه متواصل من الناحيتين القانونية والرمزية.

لم تؤثر الحدود المرسومة وفقا للمصالح الإمبريالية بأي شكل من الأشكال على السيادة الحقيقية التي مارسها ممثلو الدولة المغربية. فقد واصل القياد وزعماء القبائل وأعيان الصحراء ممارسة نفوذهم إلى ما وراء الحدود الاستعمارية، كاشفين بذلك عن المدى الحقيقي لمنطقة النفوذ الشريفي، بكل عمقها التاريخي والجغرافي.

تشير وثيقة إلى تعيين الشيخ سالم ولد عبد الله، من قبيلة توبالت، في منصب قايد. كما تشير الوثيقة ذاتها إلى شخصيات أخرى عينت لممارسة مهمة خطيب في المساجد أو للعب دور سياسي في موريتانيا. كلف قادة آخرون، عينوا مباشرة من قِبل خليفة تطوان، ببسط سلطتهم على فروع قبلية مستقرة في منطقتي الرحامنة ودكالة، وهو دليل آخر على مرونة جهاز المخزن واستمراريته في مواجهة التقسيمات الاستعمارية.

عندما عبأت إسبانيا قياد المخزن

أثار تنافس خفي ولكنه مستمر بين السلطات الإسبانية والفرنسية، حيث سعت كل منهما إلى الاستفادة من خدمات قياد مغاربة لتدبير مصالحها في المناطق الصحراوية، وخاصةً المناطق الحدودية. وهكذا، برز المخزن، بشرعيته التاريخية، كسلطة عرضانية، قادرة على تغطية كامل تراب المغرب رغم التقسيم الذي فرضه الاستعمار. وهكذا، كان القياد يتنقلون من منطقة إلى أخرى، ليصبحوا قابلين للتبادل بين مناطق النفوذ الفرنسية والإسبانية.

في ظل هذه الدينامية، عبأت إسبانيا شخصيات من قبائل موالية تقليديا للسلطان: ماء العينين، وإزرگيين، وتوبالت، ويكوت، وأولاد تيدرارين، وحلفاؤهم أولاد دليم، لتأمين المحور الاستراتيجي الذي يربط كلميم بالداخلة والكويرة. جسد هؤلاء الرجال سلطة المخزن داخل إقليم خاضع للاحتلال الأجنبي.

في عام 1937، اتخذت القوات المسلحة المكلفة بالحفاظ على الوجود الإسباني في الصحراء شكلا خاصا. عرفت باسم القوات الخليفية، وتم تنظيمها في وحدات تسمى مجموعات المائة، تتكون كل منها من مائة جندي. لم تكن مجرد ابتكار استعماري، بل استوحي هذا التنظيم العسكري بشكل مباشر من تقاليد الحكومة المغربية، كما يتضح من وثيقة مؤرخة في 24 أكتوبر 1942، للجنرال غيوم، القائد الأعلى للقوات في المغرب، وموجهة إلى قائد المكتب العسكري في الإقامة العامة في الرباط.

وتذكر الوثيقة مصطلحات من قاموس المخزن التقليدي: قايد طابور، قايد المائة، عسكري، مقدم، معين (مساعد). وتكشف هذه الأسماء عن استعارة حقيقية من الهياكل التقليدية للجيش المغربي، مما يدل على النفوذ المستمر للسلطة الشريفية حتى داخل الإدارة الاستعمارية.

ضرائب، وولاءات، وتجنيد قبلي

بهذا المنطق، كان اختيار الجنود يتم داخل القبائل المرتبطة تاريخيا بالسلطان المغربي. وهكذا، كانت قبائل تكنة، وإزرگيين، وتوبالت، وأولاد دليم، وأولاد تيدرارين من بين أكثر المجموعات التي يتم اختيار الجنود منها (حيث كانت شخصيات من الركيبات يشغلون منصب شيوخ وقياد المخزن من تندوف).

أصبح ولاؤهم الراسخ للملكية الشريفة، بالنسبة للسلطات الإسبانية، ضمانة للولاء ووسيلة للسيطرة على منطقة متنازع عليها، لكنها لم تنفصل قط كليا عن قاعدتها المغربية.

وهكذا، لم تصمد سلطة السلطان في وجه الغزو الأجنبي فحسب، بل أصبحت بمثابة السند الخفي الذي لولاه لما تمكنت فرنسا ولا إسبانيا من الحفاظ على سلطتهما في الصحراء. وبدلا من أن تتضاءل وتمحي، ترسخت كعلاج سياسي للآثار التقسيمية للهيمنة الاستعمارية.

القايد بلا حدود: أحمد ولد هيلال

من أبرز الأمثلة على السلطة العرضانية للمخزن خلال الحقبة الاستعمارية، يحتل أحمد ولد هيلال، قايد قبيلة يكوت، مكانة رمزية كبيرة. عينه خليفة تطوان لممارسة سلطته في ما يسمى بالصحراء «الإسبانية»، ولم يكتف هذا الزعيم القبلي بالمنطقة التي خصصتها له القوى الاستعمارية، بل استمر في فرض الضرائب على أفراد قبيلته المقيمة في الشمال، في منطقتي الرحامنة ودكالة.

تبرز حالته واقعا تجاهله المؤرخون إلى حد كبير: وهو واقع قياد صحراويين يمارسون سلطة لا تعترف بالتقسيمات الاستعمارية ولا بالمطالب الأجنبية بالسيادة. شرعية سلطتهم يستمدونها مباشرة من البيعة لسلطان المغرب، وليس بتفويض من السلطات الإسبانية أو الفرنسية.

تؤكد خريطة ووثيقة تاريخية، منشورتان أدناه، أن هذا القايد من فرع أمزاويغ يكوت، على الرغم من نشاطه في المنطقة الإسبانية، حافظ على نفوذ فعال على قطاعات قبيلته المنتشرة شمالا. وقد أحرج هذا الموقف الإدارة الإسبانية، التي حاولت استبداله برجل طيع، وهو محجوب ولد مبارك العربي، من أهل حمو.

لكن أحمد ولد هيلال رد بحزم، إذ هدد بعبور الخط الاستعماري إلى المنطقة الفرنسية، جارا معه جميع فروع قبيلة يكوت. تفاقمت الأزمة عندما أعلن هذا الأخير أن قبيلته تنوي المطالبة بالأراضي الخاضعة للسلطة الإسبانية.

يمثل هذا القايد، عابر الحدود وحارس السيادة في آن واحد، حالة نموذجية لم يأخذها رجال القانون والمتخصصون في القانون الدولي في الاعتبار حتى يومنا هذا. يكشف مثاله تعقيد الولاءات والأراضي في الحقبة الاستعمارية، بعيدا كل البعد عن التبسيطات القانونية التي تُجرى داخل الأمم المتحدة.

إزرگيين وأولاد دليم وهندسة السلم القبلي

في تقريرٍ كُتب عام 1922، يقدم هنري غادين (Henri Gaden)، حاكم غرب إفريقيا الفرنسية آنذاك، إضاءة قيمةً حول ديناميات القبائل في الصحراء ودورها في الاستقرار الجهوي.

ووفقا لهذه الوثيقة، تمكنت هذه القبائل من بناء شبكة من التحالفات والتعاون أثبتت أهميتها في تأمين حدود الصحراء. وأكد غادين أن «إزرگيين لم ينهبوا حدودنا قط. فهم على علاقة جيدة جدا مع أولاد دليم، وقد أقاموا مؤخرا علاقات وديةً مع أولاد بو سبع، أمير أدرار، وأمير ترارزة، الذي أعلنوا له عن إرسال وفد جديد. هذه العلاقات ممتازة لأنها ترسخ الهدوء في المنطقة الساحلية بأكملها وتُسهم في تهدئة الركيبات». (الأرشيف الوطني للسينغال، 15G7، 19 يناير 1922).

وتلقي هذه الحلقة غير المعروفة بالقدر الكافي الضوء على الدور الاستراتيجي للتحالفات القبلية، خارج الأطر الاستعمارية التقليدية. كما تبين أن هذه القبائل الصحراوية، بعيدا عن كونها هامشية، كانت تتمتع بنفوذ سياسي ودبلوماسي حقيقي، قائم على شبكات عريقة وولاء ضمني للنظام الشريفي التقليدي.

سان بون أو الطريق الإمبراطوري من منظور جنوبي

من بين الوثائق المحفوظة في داكار، يبرز تقرير الكابتن سان بون لعام 1938، المخصص لسكان الحدود الصحراوية المغربية، كوثيقة أساسية. بصفته ضابطا فرنسيا عارفا بالجغرافيا البشرية وبالواقع القبلي، رسم سان بون صورة دقيقة لعلاقات الولاء، ودوائر القيادة، وآليات التكامل القبلي التي ربطت الجنوب بشكل دائم بمركز السلطة الشريفية. وكتب قائلا: «على هامش هذه الأحداث التاريخية الكبرى (من فعل المرابطين والسعديين والعلويين)، نلاحظ زحفا شماليا دائما لجميع قبائل الصحراء». («سكان حدود المغرب الصحراوي»، الأرشيف الوطني لأقاليم ما وراء البحار، إكس أون بروفانس، مجموعات خاصة، تحت رقم 10APOM/743.

ولاحظ المؤلف أيضا ظاهرة متكررة من الترحال الاجتماعي والاقتصادي بفعل العوامل المناخية. خلال كل فترة من فترات الجفاف الصحراوية، كانت القبائل البدوية تتدفق إلى المناطق الأكثر خصوبة في سوس والحوز، وتقيم هناك مؤقتا، وأحيانا، بسبب افتقارها إلى وسائل العودة إلى الجنوب، تستقر هناك بشكل دائم. تعزز هذه الهجرة، الموثقة بين عامي 1930 و1936، فكرة أن المغرب الصحراوي لم يكن معزولا أبدا، بل شكل امتدادا عضويا للمغرب الإمبراطوري، على المستويين الإنساني والسياسي.

يرى سان بون أن هذا الإطار قوي لدرجة أنه سيفرض في النهاية قوانينه الخاصة على الإدارة الاستعمارية الفرنسية: استخدام القياد، والاعتراف بأراضي الخاضعة للبيعة، وتدبير القبائل حسب روابطها التقليدية.

في لحظة تبصر، صاغ سان بون فرضيةً مهمة: «ربما، بعد بضع سنوات، سنجبر على استئناف سياسة السلاطين وتخصيص مكان في السهول الشمالية للقبائل الرحل التي تغزو المغرب، إذ لم تعد الصحراء الكبرى قادرة على تأمين غذائهم!».

في هذا السياق المتناقض، لم تختف سلطة السلاطين مع الاستعمار: بل أصبحت حلقة الوصل بين عالمين، والإطار السياسي الذي اضطر حتى المستعمرون إلى إعادة دمجه لاحتواء التصدعات التي أحدثوها بأنفسهم.

لذا، لم تكن عودة طرفاية إلى حضن الوطن عام 1958، وتلتها عودة الساقية الحمراء ووادي الذهب عامي 1975 و1979، نتيجة غزو أو حيلة دبلوماسية. إنها امتداد طبيعي لاستمرارية تاريخية وسياسية لم يستطع الاستعمار محوها. بل على العكس من ذلك، اعتمد الاستعمار، سواء الإسباني أو الفرنسي، على جهاز الحكم السلطاني لممارسة سلطته.

تحرير من طرف الجيلالي العدناني
في 29/06/2025 على الساعة 16:00