ظاهرة استغلال الحالات الإنسانية والنصب على المتبرعين أمست متفشية بشكل كبير مؤخرا في المغرب، لا سيما مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي التي أصبحت فضاء لهذه الممارسات اللا أخلاقية وغير القانونية، حيث يعمد عدد من الأشخاص إلى المتاجرة بمعاناة الناس والاحتيال باسمهم من أجل جمع مبالغ مالية كبيرة.
ومن بين أكثر الحالات شهرة وآخرها في النصب والاحتيال باستعمال الإحسان ومساعدة الآخرين، نجد قضية الدكتور التازي المعروف بـ«طبيب الفقراء»، حيث اشتهر هذا الأخير بمساعدة المرضى المعوزين وإجراء عمليات جراحية لهم بشكل مجاني، غير أن السلطات الأمنية اعتقلته بمعية عدد من أفراد أسرته ومساعديه بتهم تتعلق بـ«الاتجار في البشر باستدراج أشخاص واستغلال حالة ضعفهم وحاجتهم وهشاشتهم لغرض النصب والاحتيال على المتبرعين بحسن نية». فضلا عن واقعة «الطفل ريان» حيث ظهر العديد من الأشخاص الذين يسترزقون ويجمعون تبرعات باسم والدي الطفل الفقيد.
القانون 18.18 يكمل مكامن القصور في القانون رقم 004.71
المشرع المغربي لم يترك فراغا قانونيا أمام هذه الممارسات وقطع الطريق على «مرتزقة الأعمال الخيرية»، حيث يُخضع عمليات التبرعات وتوزيع المساعدات على الناس لأغراض خيرية لقانون مؤطر، كما يضع شروطا لهذه التبرعات المالية والعينية، ويحدد عقوبات زجرية لمن خالفها.
وبالعودة إلى تاريخ قانون إلتماس الإحسان العمومي في المغرب، فقد تم تقنين هذا الأخير سنة 1971، بمقتضى القانون رقم 004.71، قبل أن يتم تحديث هذا القانون سنة 2018، إذ أصدر المشرع المغربي مشروع قانون 18.18، والمعنون بـ »تنظيم عمليات جمع التبرعات من العموم وتوزيع المساعدات لأغراض خيرية ». وذلك على خلفية «واقعة الصويرة» التي ذهبت ضحيتها 15 سيدة إثر زحام وتدافع للحصول على مساعدات قدمتها جمعية خيرية آنذاك، والتي ساهمت بتسريع وتيرة خروج هذا القانون إلى حيز الوجود. حيث صادق مجلس المستشارين، في يوليوز 2022، على مشروع هذا القانون بالإجماع.
إقرأ أيضا : مجلس المستشارين يصادق على مشروع قانون ينظم الإحسان العمومي
القانون يؤطر عمليات جمع التبرعات والإحسان العمومي
وحسب تفاصيل القانون 18.18، فمن الواجب والضروري أن تخضع التبرعات جميعها إلى ترخيص قانوني قبلي من طرف عامل العمالة أو الإقليم الذي ستجري في نفوذه عملية جمع التبرعات.
ويراد بدعوة العموم إلى التبرع، كل التماس موجه إلى العموم، قصد الحصول على أموال أو منتجات أو مواد، بهدف تمويل أو إنجاز أنشطة أو برامج أو مشاريع ذات صبغة اجتماعية أو انسانية أو تضامنية أو خيرية أو ثقافية أو بيئية أو لأغراض البحث العلمي، أو بهدف تقديم مساعدة أو إعانة لفائدة شخص ذاتي أو أكثر في وضعية هشة أو احتياج أو في حالة استغاثة، أو لفائدة مؤسسة اجتماعية غير ربحية محدثة بصفة قانونية، سواء داخل المغرب أو خارجه.
الأشخاص الذين لهم الحق في جمع التبرعات
لا يجوز دعوة العموم إلى التبرع إلا من قبل جمعية أو عدة جمعيات مؤسسة بصفة قانونية ومسيرة طبقا لأنظمتها الأساسية.
غير أنه يجوز، بصفة استثنائية، دعوة العموم إلى التبرع وجمع التبرعات من قبل مجموعة من الأشخاص الذاتيين، إذا كان الغرض من ذلك تقديم مساعدات عاجلة لفائدة شخص أو أكثر في حالة استغاثة، شريطة الحصول مسبقا على ترخيص بذلك من قبل الإدارة.
الحالات التي تتم فيها منع الدعوة إلى التبرع
تمنع دعوة العموم إلى التبرع وكذا تنظيم عمليات جمع التبرعات لأهداف تجارية أو دعائية أو إشهارية أو إنتخابية، أو من أجل الترويج لمنتجات أو سلع أو خدمات.
كما تمنع دعوة العموم إلى التبرع بهدف أداء غرامات أو صوائر أوتعويضات صادرة بشأنها أحكام قضائية أو أداء ديون.
وتمنع أيضا كل عملية من عمليات توزيع المساعدات لتحقيق الأهداف المذكورة في الفقرة الأولى أعلاه، أو بقصد استغلال حالة شخص أو أكثريوجدون في وضعية هشة أو احتياج أو في حالة استغاثة.
الشروط الواجب توفرها في الجهة التي تقوم بجمع التبرعات
بالنسبة للجمعيات، لكي يُمنح لها الترخيص للقيام بدعوة العموم لجمع التبرعات يجب على الجمعية أن تكون: جمعية مؤسَّسة بطريقة قانونية ومودعة ملفها لدى السلطة المحلية طبقا للتشريع الجاري به العمل؛ أن لا يكون صُدر في حق أحد أعضاء مكتبها المسير مقرر قضائي نهائي من أجل ارتكاب جنايات أو جنح متعلقة بأمن الدولة أو الارهاب أو متعلقة بالأموال أو التزوير أو الرشوة أو الاختلاس أو تبديد المال العام ما لم يرد اعتباره.
بالنسبة للأشخاص الذاتيين: أن لا يكون صدر في حق أحدهم مقرر قضائي نهائي من أجل ارتكاب جنايات أو جنح متعلقة بأمن الدولة أو الارهاب أو متعلقة بالأموال أو التزوير أو الرشوة أو الاختلاس أو تبديد المال العام ما لم يرد اعتبارهم.
العقوبات التي تنتظر مخالفي قانون جمع التبرعات والإحسان العمومي
يعاقب بغرامة من 50 ألف درهم إلى 100 ألف درهم عن كل إخلال بالمقتضيات الواردة في مواد القانون رقم 18.18.
كما تعاقب بغرامة من 100 ألف درهم إلى 500 ألف درهم، المؤسسة الصحفية أو الإعلامية أو مؤسسة أو جهة أخرى كيفما كانت طبيعتها تنشر أو تبث إعلانات تدعو العموم إلى التبرع وجمع التبرعات خلافا لأحكام هذا القانون.
هذا، ويعاقب بغرامة من 10 آلاف درهم إلى 50 ألف درهم عن: كل إخلال بالمقتضيات الواردة في المواد 5 و 6 و7 من القانون، وأيضا عدم إيداع التبرعات في الحساب المخصص لها، وعدم تحويل الأموال المتبقية من عملية جمع التبرعات بعد تحقيق الغرض أو الأغراض المعلن عنها، داخل الأجل الوارد في المادة 25 من القانون.
وياقب بنفس الغرامة كل عملية توزيع للمساعدات لأغراض خيرية دون التصريح المسبق بذلك لدى عامل العمالة أو الإقليم الملعني، أو القيام بذلك خلافا للقرارات التي يتخذها عامل العمالة أو الإقليم المعني بشأنها.