وجّه العديد من الباحثين والكتاب والأكاديميين نقدهم إلى وزارة عز الدين ميداوي، معتبرين أنّ مشروع قانون الإصلاح، يعد بمثابة المرحلة الأولى من أجل خوصصة الجامعة وفتح الباب أمام فرص الاستثمار في مجال البحث العلمي الذي يعاني نكسة كبيرة تجعل الجامعات المغربية تصل إلى أدنى مستوياتها داخل التقارير العلمية الدولية.
ويعتبر عنصر تغيير بحوث الإجازة والتخرج وتعويضهما بتقارير ميدانية من داخل شركات ومقاولات، أحد أبرز النقط التي أثارت الجدل بين الجامعيين والذين اعتبروا هذا الأمر بمثابة خطوة غير دقيقة ولا تعكس جوهر ونية الإصلاح الجامعة العمومية، إذْ كيف يُعقل أنْ نستبدل بحوث الطلبة، باعتبارها تُشكّل محطة أولى من محطات التفكير في ممارسة البحث العلمي وتعويضها بتقارير إدارية مستمدّة من داخل شركات، لا علاقة لها بتخصص الطلبة؟ كيف يمكن بناء ورش فكري ومشروع علمي يشجّع الطلبة على التفكير والبحث ويدفعهم إلى أنْ يتحولوا إلى تقنيين؟
وبقدر ما يشجّع مشروع القانون على البحث العلمي من خلال تنويع مصادر التمويل وضخ دماء جديدة في شرايين المختبرات العلمية ومدها بما تحتاجه من دعم، فإنّ عملية التغيير تُضمر في ذاتها هشاشة الإصلاح التعليمي وكيف يفتقر إلى رؤية علمية واضحة بإمكانها إخراج الجامعة من مشاكلها البيداغوجية وتصدّعاتها العلمية، بما يجعل فضاء غير منتج للمعرفة. على هذا الأساس، اعتبر العديد من الباحثين على أنّ هذا العنصر ينبغي إعادة التفكير فيه على ضوء المعطيات الجديدة التي باتت تفرض نفسها على واقع الجامعة المغربية، كما يمثّل في نظرهم ضربٌ للتقاليد الأكاديمية وطمس كل محاولات الإصلاح السابقة التي كانت تطمح في أنْ تجعل من الجامعة شعاراً لها.
يقول محمد أوبيهي، أستاذ التاريخ المعاصر والراهن بجامعة محمد الخامس بالرباط بأنّ «قرار تعويض البحوث في الإصلاح الجديد وتعويضهما بتدريب خاص من أجل إعداد تقرير ومناقشته أمام لجنة عبر الانفتاح على مؤسسات خاصّة والمحيط الاقتصادي، هو خطأ فادح، إذْ لا يمكن نسخ طبق الأصل لنماذج أنجلوسكسونية في التعليم العالي والتي تنفتح على مؤسسات اقتصادية ورأسمالية عالمية تدمج الخريجين من الجامعات في مشاريع بحوث. وهذا مرتبط بالأساس إلى ميزانية البحث العلمي في هذه البلدان المتقدّمة، ولا يمكن مقارنة هذا النموذج بنظيره المغربي الذي تنخفض فيه ميزانية البحث العلمي لاعتبارات عدّة لا نعرفها».
وحسب أوبيهي «فإنّ إلغاء بحوث الإجازة والماستر وتعويضهما بتقارير وتداريب هو ضربٌ للبحث العلمي، لأن الطلبة في الجامعات يتمرسون بالبحث العلمي من خلال بحوث ميدانية تعتمد بدرجة أولى على صقل مواهبهم البحثية. بحيث يعتبر بحث الإجازة مرحلة مهمّة للتدرّب على البحث العلمي وآلياته، سواء داخل تخصصات كليات الآداب والعلوم الإنسانية والاجتماعية. فهذه أمور لا بد منها في أيّ مرحلة يمرّ منها الطلبة».
كما يشكل الماستر مرحلة ممهدة للدكتوراه وبالتالي «فإن تعويضهما بتدريب ميداني يضرب مشرع وحدة الدكتوراه، بحكم أنها مرحلة هامة بما تُفرز من خبرات في أمور متعددة، بل هي بمثابة تمرين منهجي في مجال البحث العلمي، خصوصاً في المراحل الأولى التي يخضع فيها الطالب لتكوين معمّق في مجال التخصص وتؤهله ليكون باحثاً. لهذا فإنّ هذا الربط بين المقاولات والشركات والجامعة هو خطأ كبير، لأن الجامعة تظل منبراً كبيراً وورشاً أكاديمياً يقدّم حلولاً للمحيط لكن السؤتال يبق حول ما مدة رفع سقف ميزانية البحث العلمي وإعادة الاعتبار للجامعة المغربية حت تكون عنواناً بارزاً للبحث العلمي التي تعتبر اليوم مقياساً لتصنيف الجامعات المغربية، بعدما تم تصنيف جامعة الحسن الثاني في مراتب متقدمة في العالم.
لذلك «فنحن اليوم في حاجة إلى رفه مستوى هذه التصنيفات لإغناء تجربة البحث العلمي الأكاديمي الني تنتج خبراء وأساتذة لديهم كفاءات في مجالات معينة والتي تهاجر مع الأسف إلى الخارج وتستفيد منها مختبرات أجنبية».
من جهته أكّد الدكتور صلاح بوسريف بأنّ هذا القرار يبدو وكأنه «موضوع مكتب وزيرة التعليم العالي منذ زمان، إذ كان وزير التعليم العالي في حكومة العدالة والتنمية عبر عن هذا بوضوح حين ذهب إلى ابتذال وازدراء شعب الأدب والعلوم الإنسانية وأكّد على التكوين المهني أو التقني، على أساس أن المغرب في حاجةٍ إليه، أيْ ليس في حاجة فكر ولا عقل ولا خيال ولا إبداع، بل إلى آلة تشتغل دون تفكر دون برمجيات معينة».
«لذلك فإن وزير التعليم الحالي وبحكم المدة التي قضاها في الوزارة لا تسمح له أنْ يفكّر إطلاقاً في مثل هذه الأشياء وأن تدرس بهذه السرعة ما لم تكن موجودة بكل تفاصيلها على مكتبه، فهو جاء ليتحمّل المسؤولية ويرمي بالكرة جهة الأطراف التي يعنيها الموضوع. إن ردود الفعل داخل الجامعة لا تعكس طبيعة الخطر الداهم الذي أصبح يقتحم الجامعة، وأنا أفهم هذا، لأن الجامعة في حالة غيبوبة على جميع المستويات وتحويل البحوث إلى عبارة عن تقارير يأتي بها الطالب من مؤسسات وشركات سيكون له أثر كبير على البحث المعرفي في مجالات الآداب والعلوم الصرفة».
لذلك يعتبر الباحث «أنّ الذي يحدث أنّ الذين يوجدون خارج الجامعة هم الذين ينبّهون إلى خطر ما يجري بإفراغ الجامعة مما تبقى فيها من أنفاس. يبدو لي أن الجهة الوصية تريد أن ترفع يدها على التعليم وهي تفرغه من الداخل كما يُفرغ الجسم من دمه إلى أنْ يتلاشى ويذوب. فالرهان اليوم هو على التعليم الخاص من الابتدائي إلى الجامعة، وما يكشف ذلك هو تناسل مؤسسات التعليم الجامعي الخاصة في مختلف المدن. لذلك فأرى أن التعليم والثقافة يتم الإجهاز عليهما وهذا فيه إجهاز على الهوية الثقافية والهوية الحضارية والبشرية، لأننا نساير ما يجري خارج المغرب بما لم يصل إليه المغرب بعد وهو العنصر البشري».



