وقد أعادت وفاة مؤثرة مغربية على منصة «تيك توك» الجدل حول هذا الموضوع، بعد تداول شائعات عن ارتباط الوفاة بمضاعفات عملية «باي باس» أجرتها في تركيا، رغم أن السبب الرسمي للوفاة لم تؤكده أي جهة طبية أو قضائية حتى الآن.
ولتسليط الضوء على هذا التوجه المتزايد نحو تركيا، تواصل موقع Le360 مع الدكتور الحسن بوكيند، أخصائي في الجراحة التجميلية والترميمية ورئيس الجمعية المغربية لجراحة التقويم والتجميل، الذي أوضح أن عمليات تكميم المعدة أو تحويل المسار ليست عمليات تجميلية، بل تدخل ضمن اختصاص الجراحة البارياترية، وهي مخصصة لعلاج السمنة المرضية، وتعد من العمليات المعقدة التي تتطلب متابعة دقيقة قبل وبعد الجراحة.
ويحذر الدكتور بوكيند من تبسيط هذا النوع من العمليات، مؤكدا أنها لا تمثل حلا سحريا كما يروج له البعض، بل هي جزء من مسار علاجي طويل يتطلب التزاما صارما ومرافقة طبية ونفسية وغذائية مستمرة لضمان نجاح العملية وتفادي مضاعفاتها.
ويؤكد المتحدث نفسه أن السمنة تعد من أخطر التحديات الصحية في العالم، بسبب ارتباطها بأمراض مزمنة مثل أمراض القلب والشرايين والسكري والمفاصل وبعض أنواع السرطان، إضافة إلى آثارها النفسية والاجتماعية. ويستند بوكيند إلى معطيات تقرير « World Obesity Atlas 2025 »، الذي أشار إلى أن 59 في المائة من البالغين المغاربة لديهم مؤشر كتلة جسم (IMC) يفوق 25، فيما يعاني 24 في المائة منهم من السمنة، مع توقع أن يصل عدد المصابين إلى 17 مليون شخص بحلول سنة 2030، وهي أرقام تدق ناقوس الخطر وتستدعي تدخلا على أكثر من مستوى.
وأوضح بوكيند أن هناك نوعين من السمنة: «الموضعية، التي ترتكز في مناطق معينة من الجسم، والعامة، التي تشمل كامل الجسم. ويتم تحديد نوع العلاج حسب مؤشر كتلة الجسم، والذي يحسب بتقسيم الوزن على مربع الطول. فالمؤشر أقل من 25 يعد طبيعيا، وبين 25 و30 يصنف كزيادة في الوزن، وبين 30 و35 سمنة بسيطة، وبين 35 و40 سمنة مفرطة، وأكثر من 40 سمنة مرضية، وهي التي تستدعي غالبا تدخلا جراحيا».
وعن أبرز العمليات التي يخضع لها المرضى، يوضح الدكتور بوكيند أن عملية تكميم المعدة تعتمد على استئصال جزء كبير من المعدة لتقليص حجمها وبالتالي تقليل كمية الطعام المستهلكة. ورغم أنها تعتبر أقل خطورة من عملية تحويل المسار، إلا أنها تظل عملية معقدة تتطلب التزاما غذائيا صارما ومتابعة طبية منتظمة، لأن المعدة قد تعود إلى حجمها الأصلي إذا لم يحترم المريض التعليمات. أما عملية تحويل المسار، فتتمثل في تقليص حجم المعدة مع إعادة توجيه الأمعاء لتقليل امتصاص العناصر الغذائية، وهي عملية أكثر تعقيدا وقد تؤدي إلى سوء تغذية دائم في حالة غياب التتبع الطبي، ما يتطلب مراقبة طبية مدى الحياة وتعويضات غذائية دقيقة. وهناك أيضا البالون المعدي، الذي يتم إدخاله إلى المعدة ليقلل من حجمها بشكل مؤقت، ويعد أقل تدخلا جراحيا لكنه لا يمثل حلا دائما.
ويضيف أن هناك أدوية تعرف بـGLP-1 analogues، وهي في الأصل مخصصة لعلاج داء السكري، لكنها أصبحت تستعمل تحت إشراف طبي في حالات معينة من السمنة وقد تعطي نتائج مشابهة للجراحة، غير أن فعاليتها تتوقف بمجرد التوقف عن استخدامها، مما يحتم استعمالها ضمن خطة علاجية شاملة.
ويشدد الدكتور بوكيند على أن كل هذه الخيارات، سواء كانت جراحية أو دوائية، تستوجب مراقبة طبية دقيقة وتحاليل منتظمة كل ثلاثة إلى ستة أشهر لضمان سلامة المريض وتفادي المضاعفات.
وعن أسباب اختيار المرضى المغاربة لتركيا، يشير إلى أن الكلفة المنخفضة وسرعة اتخاذ القرار من أبرز العوامل التي تدفعهم إلى هذا البلد، لكن هذا التسرع غالبا ما يكون على حساب المراحل الضرورية التي ينص عليها البروتوكول الطبي العالمي، مثل المرور بفترة حمية، ومرافقة نفسية، وتقييم شامل للوضع الصحي والنفسي، وهي خطوات قد تمتد إلى سنة كاملة قبل اتخاذ القرار النهائي بإجراء العملية.
ويحذر بوكيند من التعامل مع هذه العمليات كحل سهل وفوري، إذ لا يمكن للمريض أن يشفى بالجراحة فقط، بل يحتاج إلى تأهيل شامل ومرافقة طويلة الأمد. ويؤكد أن اختيار نوع العملية يجب أن يتم بناء على الملف الصحي الكامل لكل مريض، ولا يمكن تعميم القرار أو الاعتماد على تجارب الآخرين، لأن لكل حالة خصوصيتها.
وأضاف: « بعض الحالات يمكن أن تتحسن فقط عبر تغيير نمط الحياة واعتماد نظام غذائي ومرافقة نفسية دون الحاجة إلى الجراحة، بينما تعد العمليات ضرورية في حالات السمنة المرضية المعقدة، ولكن بشروط صارمة وبعد استنفاد جميع الخيارات الأخرى ».
وختم الدكتور بوكيند تصريحه بتحذير واضح من الإقبال العشوائي على الجراحة، خصوصا عملية تحويل المسار، لما قد تسببه من نقص حاد في الفيتامينات والمعادن، مما قد يؤدي إلى مضاعفات خطيرة تستدعي أحيانا عمليات تصحيحية لاحقة، داعيا إلى التعامل مع هذا النوع من التدخلات الطبية بكل جدية ومسؤولية.




