مع بداية كل موسم يتجدد الاهتمام بنجمة السنوات الإشهادية، لكن في الموسم الدراسي الحالي تختلف الأمور، بالنظر إلى الاضطرابات التي طبعته بسبب إضرابات الأساتذة التعليم التي أثرت على مسار التحصيل العلمي على مستوى مؤسسات التعليم العمومي.
ضريبة الإضرابات
تؤكد أسر تمكنا من استفسارها أن الموسم الدراسية الحالي استثنائي، لأن الحياة الدراسية خلاله كانت مطبوعة بالإضرابات والاضطرابات، إذ توقفت الدارسة حوالي ثلاثة ما جعل الأسر ترى في الدروس الخصوصية شرا لا بد منه.
ويعود وصفها بالشر إلى كونها تكلف الأسر التي بالكاد يوفر أربابها تكاليف الحياة مصاريف إضافية. ورغم التكلفة التي لا يستهان بها فإن الإقبال عليها كان منقطع النظير. كيف ولا وغالبية الأسر عملت جاهدة من أجل تعويض الزمن الدراسي الذي جرى إهداره ويصع بتعويضه برسائل اطمئنان عبر وسائل الإعلام.
كان الوضع الاستثنائي وما أفرزه من مخاوف، من بينها « سنة بيضاء » وراء إقبال التلاميذ والتلميذات على هذه الدروس الخصوصية، وتجند الأسر لخوض تجربة كانت حتى الأمس القريب تعد ترفا.
دروس خصوصية مقابل النقاط
يرى نور الدين عكوري، رئيس فيدرالية جمعيات الآباء، أن ظاهرة الدروس الخصوصية والدعم المؤدى عنه تستفحل بشكل مريب، وأضاف في تصريح لـle360 أن « الضغوط التي تقع الأسر والتلاميذ وراءها متعددة، خصوصا بعد تعدد المؤسسات ذات الاستقطاب المحدود، التي كانت وراء التنافس على المعدلات العالية، بخلاف المؤسسات الجامعية ذات الاستقطاب المفتوح.
ووجدت أسر رغم ضعف أو محدودية إمكانياتها المالية مرغمة على تمكين أبنائها من خوض تجربة الدروس الخصوصية، التي تنقسم إلى اختيارية، يقبل عليها التلاميذ بمحض إرادتهم ويختارون الأستاذ أو المؤسسة للاستفادة منها.
لكن، وهذا مأسوف عليه، هناك دروس خصوصية إجبارية، إذ يخبر الأستاذ التلاميذ أنه يقدم الدروس في مؤسسة معينة فيقبلون عليها للحصول على نقاط عالية ».
ويقول نور الدين عكوري: « إن الأمر لا يتعلق بالتمكين الجيد من الدروس خصوص أن بعض التلاميذ يحتاجون إلى فهم الدروس أولا ثم الاشتغال على التمارين بناء على ذلك.
أصبحنا أمام طريقة عشوائية تتمثل في الاشتغال على تمارين في المواد العلمية، وهذه العشوائية لا تساعد على التعلمات.
والمؤسف أن التلاميذ لا يتوجهون إلى الدعم المؤسساتي المبرمج من طرف الوزارة الوصية، بل يتوجهون إلى المؤدى عنه بنوعيه ».
ومن الظواهر التي لم يستسغها رئيس فيدرالية جمعية الآباء « تقديم الدروس في المقاهي، حيث يتحلق التلميذات والتلاميذ حول أستاذ في مقهى معين ويقدم لهم شروحات وحول طرق حل التمارين في غياب أدنى شروط التركيز ».
وأضاف: « هذا المشهد أصبح مألوفا، وعقب نهاية الحصة يستل كل تلميذ المبلغ المتفق عليه للأستاذ الذي يجمع المبالغ ويذهب إلى حال سبيله وهذا الأمر غير مقبول لأنه مجرد استغلال ».
وتحدث عكوري أيضا عن استرزاق البعض ومضي يقول: « أنا لا أعمم لكن لا يمكن أن أنكر وجود من يجعلون من الدروس الخصوصية وسيلة للاسترزاق، وذلك عبر مطالبة الآباء بإحضار مجموعة من التلاميذ مع ابنهم مقابل 400 درهم بدل 500 درهم إذا كان التلميذ وحده، ويكون الرابح الأكبر هو الأستاذ الذي يجني 2000 درهم في حصة واحدة ».
ويعتبر رئيس فيدرالية جمعيات الآباء أن ظاهرة الشحن عبر الدروس الخصوصية لا تحسن التعلمات الذاتية، ولا تنمي قدرات التلاميذ، وأن ذلك يظهر جليا في المسارات « لأن من يحصلون على أعلى المعدلات لا يكونون متفوقين دائما، ويضح ذلك بجلاء في الأقسام التحضيرية والتميز، لأن من يستمرون في الغالب هم أبناء مناطق لا توجد فيها ظاهرة الدروس الخصوصية أو تكون محدودة ».
وضع الأسر والتلاميذ
حين كانت فصول السنة معروفة كان الربيع يتميز بظهور طائر الخطاف ويؤذن ذلك بإقبال التلاميذ والطلبة على التحضير في الأماكن العمومية، لكن الوضع اختلف في السنوات الأخيرة.
بينما نحن على عتبة امتحانات الباكالوريا يؤكد العالمون بخبايا قطاع التعليم أن الأسر المغربية « تدخل في سباق جنوني لتمكين أبنائها وبناتها من الحصول على أعلى المعدلات للظفر بمقعد في المعاهد أو المدارس العليا أو الكليات المختصة المحدودة الاستقطاب. ومن أجل ذلك ترتمي الأسر ميسورة ومعوزة في أحضان سوق دروس الدعم والتقوية ».
فقد أصبحت الأسر تراهن ولا غرابة إن قلنا قبل التلاميذ أحيانا على[HEA1] خدمات هذه السوق لتأمين حصول أبنائها وبناتها على نتائج مشرفة ومعدلات عالية تسمح ب ولوج تخصصات تمكنهم من وولوج سوق العمل والترقي في السلم الاجتماعي.
ويلاحظ المهتمون بالظاهرة والدارسون « أن الإقبال على هذه الدروس تنامى بشكل متزايد من كل الشرائح الاجتماعية بصيغ مختلفة وبوثيرات مختلفة، في ظل العتبات المرتفعة المطلوبة في الولوج للشعب ذات الاستقطاب المحدودة.
تأسيسا على ما سلف « تشهد هذه السوق السنوية، من حيث تقديم خدمات الدعم والتقوية، تغيرات مهمة حسب كل فترة من فترات السنة الدراسية. فترة شرح الدروس وفترة التحضير للفروض وفترة الاعداد للامتحانات الإشهادية السنوية وفترة التأهيل لاجتياز مباريات المدارس العليا والمعاهد والكليات التخصصية.
فالحصص العادية المرتبطة بشرح الدروس والأخرى المرتبطة بالتحضير لفروض المراقبة المستمرة خلال السنة تبقى ساعاتها أكثر وسومتها التعريفية أقل كلفة نسبيا أما الفترتان المذكورتان سلفا والمرتبطة بالإعداد للامتحان الإشهادي الباكالوريا (الجهوي والوطني) والفترة المرتبطة بالتأهيل لاجتياز المباريات فساعاتها أقل وجودتها أكثر وسومتها التعليمية أغلى نظرا لارتفاع الطلب ».
ويشد الباحثون الاجتماعيون « بحرارة على أيدي الأسر بالنظر إلى التضحيات التي تقدمها لأبنائها أولا، وللمنظومة ثانيا، من أجل المساهمة المادية في الرفع من مؤهلات خريجي المدرسة المغربية العمومية منها والخصوصية، وهذا يزيد من نسبة ارتفاع المعدلات المحصل عليها ونسبة النجاح في امتحانات الباكالوريا وطنيا ».
من خلال الحديث إلى عدد مهم من أسر التلاميذ الذين يستفيدون من هذه الدروس اتضح من أجوبتهم عن سؤال ما هو سعر الساعة والحصة؟ أن ذلك يفرض تضحية كبيرة نظرا للمبالغ الشهرية التي تتطلبها الاستفادة من تلك الحصص.
و »يستنتج من ذلك أنه ليس بإمكان أي كان أن يستفيد من هذا المنتوج لأنه مشروط بتوفر الإمكانات المالية، نظرا لتكلفته المادية سنويا، وكذلك لارتفاع ثمن سويعاتها قبيل الامتحانات الإشهادية، وكذلك قبيل مباراة ولوج المدارس العليا والمعاهد والكليات ذات الاستقطاب المحدود.
وحسب الآباء فإن بعض التلاميذ يستفيدون من حصص للتقوية في مكانين مختلفين وفي توقيتين متتالين وهكذا تتكبد أسر مسؤولية نقل أبنائها من مكان إلى آخر. وعليه لا يمكن لأي أسرة أن تتحمل تكاليف هذه الحصص، إلا إذا توفرت لها الامكانات والإصرار ».
وضع نفسي صعب جراء الضغوطات
لا يخلو الأمر من ضغوطات نفسية ترافق الإجهاد المالي لأنها « الباكالوريا » وإن لم تعد سدا منيعا في وجه التلاميذ، فإنها مازالت تتحكم
في المصير، والتوجه رأسا إلى حيث المستقبل مضمون وهذا ما جعلها تستأثر باهتمام باحثين اجتماعيين خصوصا من صاروا أكثر قربا من قطاع التعليم.
ويرى باحث اجتماعي أنه « في ظل هذا الوضع المحموم تعيش الأسر وأبناؤها ضغوطات مادية ونفسية خاصة ».
ومضى يقول « تعطي الأسر الأولوية لتعليم أبنائها رغم أنها تعاني ماديا وتكابد من أجلهم، وتضحي بالغالي والنفيس لتمكينهم من الولوج إلى التخصصات التي تؤهلهم لسوق الشغل وتستجيب لميولاتهم.
إن التضحيات كبيرة ماديا ومهمة ومكلفة جدا تساهم في الرفع من جودة مخرجات المدرسة المغربية ».
ويرى الباحث أنه « رغم كل هذه المعاناة فإن دروس الدعم والتقوية تساهم بشكل كبير في تعميق الفوارق الفردية بين المتعلمين وتكرس التمييز الاجتماعي داخل المجتمع نظرا لكونها ممارسة توصف من قبل عدد من المنتسبين لقطاع التعليم بكونها:
- غير قانونية وغير أخلاقية؛
- تشكل عبئا ماديا على الأسر؛
- تضرب مبدأ تكافؤ الفرص؛
- تساهم في ارتفاع عتبة الولوج؛
- تضرب مبدأ تكافؤ الفرص؛
- تقصي أبناء الأسر المعوزة من المنافسة؛
- تبخس ما يقدم في الفصول الدراسية العمومية؛
ورغم كل ما تؤكده الأسر بخصوص دروس الدعم والتقوية باعتبارها ممارسة غير قانونية، تضرب مبدأ تكافؤ الفرص وتقصي وتكرس التمييز الاجتماعي فإنهم يطبعون معها كممارسة ويقبلون عليها بشكل ملحوظ ».
وختم بالقول « نشد على أيدي أرباب الأسر بحرارة لأنهم يضحون بالغالي والنفيس من أجل أبنائهم وبناتهم، ويساهمون في تحسين جودة مخرجات المدرسة المغربية من جيوبها وهم يواجهون واقعا غير عادي ما دامت المدارس غير قادرة على إعداد وتأهيل المتعلمين للامتحانات الاشهادية ».