لا يعنينا هنا اعتزال كيداري من مجال التمثيل، لأنّ الفنّ لن يتوقّف باعتزالها، بل سيظلّ يحفر مجراه عميقاً في تربة الإبداع المغربي، لكنْ ما يهمّنا هنا، أنْ يتحوّل اعتزال ممثلة شاركت في بعض الأعمال التلفزيونية إلى حديث رأي عام داخل وسائل التواصل. هل أداء كيداري مهم إلى هذا الحد الذي يجعلها « أيقونة » في نظر البعض؟ أم أنّ سوء فهم الفنّ ووظيفته وأصالته يدفع الكثير من المَغاربة يعتقدون أنّ كلّ ما يُشاهدونه على خشبة المسارح والتلفزيون وصالات السينما فناً؟
لهذا فإنّ الإقامة في التفاهة المقنّنة يحجب على الناس كلّ ما هو حقيقي في الفضاءات العامّة. ليست كيداري ممثلة مخضرمة لتُثير كلّ هذا الشجن في قلوب جمهورها، كما أنّها ليست ممثلة سينمائية كبيرة راكمت من الأدوار المركّبة ما يجعلها في طليعة الوجوه الفنّية التي تُحدث تغييراً جذرياً في عالم التمثيل، كما تفعل زميلتها نسرين الراضي في بعض من أفلامها، وهي تُدهشنا في كلّ عمل سينمائي جديدٍ لها.
ما لم يستوعبه المغاربة أنّ هناك فرق كبير بين « الإعجاب » بأداء ممثل وبين أنْ يكون الممثل « جيداً » وذلك لأنّ إطلاق حكم جمالي كهذا مرتبط حصراً بمن لهم خبرة في المجال الفني وأعني المخرجين وكتاب السيناريو والممثلين والنقاد، فهؤلاء جميعهم يمتلكون أدوات ثقافية لتحليل ميكانيزمات فنّ الأداء ومعرفة الأفضل بالنسبة للمَشاهد واللقطات والمَشاهد.
إنّ خلق مثل هذا الجدل الفراغ من لدن الناس حول اعتزال ممثل أو ممثلة أمرٌ غير مشروع من الناحية الفنية، وذلك لأنّ الجدل يُبنى في أساسه على فعل مناهض لبعض الأفكار والمواقف والقضايا والمَشاهد والإشكالات التي قد تكون « حسّاسة » أيْ أنّ الجدل في عمقه وماهيته الفلسفية يُؤسّس على تناقض في الأفكار. لكنْ لماذا يخوض المغاربة هذا الجدل العقيق ما إذا كانت حقاً الفنانة جيهان كيداري ستعتزل التمثيل أم أنّ الفيديو مجرّد إعلان ترويجي لفيلم سينمائي قادم؟ مع أنّ الخلفية السوداء للفيديو، قد تُؤكّد ذلك بالنسبة لممثلة تعوّدت مشاركة بعضٍ من حياتها اليومية المُلوّنة على السوشل ميديا.
إنّ ظاهرة صناعة الأيقونات « العادية » لا يليق بفنّ مغربي أصيل حرص العديد من رواده في مجالات ذات صلة بالسينما والمسرح والموسيقى والغناء على تقديم الأفضل وعلى إمتاع الناس بأدائهم وأغانيهم وموسيقاهم في برامج ومهرجانات وصالات لن يسرح في جسدها النّسيان.
اختيار كيداري كوجه يُمثّل الحياة الفنية الجديدة في المغرب من لدن بعض رواد التواصل الاجتماعي غير صحيح بالمرّة، إذْ هناك تجارب واعدة تتفوقّ بسنوات ضوئية على جيهان كيداري وتنسج مع المُشاهد المغربي علاقة خاصّة قوامها الابداع والابتكار. وبالتالي، فإنّ إنتاج وخلق أيقونات كاذبة أمرٌ لا يعكس مشروعنا الفني الحقيقي الذي يُناضل من أجله عشرات الممثلين والمخرجين ويُكرّسون بشكل يومي أصيل صورته خارج البلاد.
كل جدل في المجتمع، لا ينتج علماً ومعرفة ومتعة أصيلة بالمجال الفنّي لا يُعوّل عليه فكرياً، لأنّه يظلّ مجرّد لغوٍ زائدٍ وكلامُ ليلٍ يمحوه ضوء النهار.