النقل السري بضواحي الدار البيضاء.. ظاهرة تشوّه جمالية العاصمة الاقتصادية للمملكة

في 30/08/2023 على الساعة 08:30, تحديث بتاريخ 30/08/2023 على الساعة 08:30

حوادث خطيرة ومآسي متعددة يتسبب فيها سنويا أصحاب النقل السري، أو كما يسميهم البعض «الخطافة» أو «العتاقة».. سواء باستعمال السيارات الشخصية أو الدراجات ثلاثية العجلات (التريبورتور). ربورتاج من مدينة الدار البيضاء، إحدى المدن التي تعاني من هذا النوع من النقل، خصوصا بمداخل ومخارج المدينة المليونية. فلماذا يلجأ عدد من المواطنين إلى النقل السري؟ وأين تكمن خطورته؟ وما هي تبعاته القانونية؟


عبد الرزاق، شاب في عقده الثالث، من ساكنة حي العراقي بليساسفا الدار البيضاء، يروي قصة عناء وتحديات يعيشها يومياً بسبب اعتماده على وسائل النقل السري للوصول إلى مكان عمله. هنا في الضاحية الجنوبية للعاصمة الاقتصادية للمملكة، كما في باقي هوامش المدينة المليونية، يشهد النقل السري، الذي يعرف أيضا بـ « الخطافة » أو « العتاقة »، تنامياً ملحوظاً بسبب نقص وسائل النقل العمومي.

معاناة يومية

« تبدأ صباحاتي في السادسة صباحاً، حيث أستيقظ وأستعد للبحث عن وسيلة نقل توصلني إلى العمل »، يقول عبد الرزاق بحسرة. لسنوات طويلة، اعتمد هذا الشاب على سيارات النقل السري للتنقل، وذلك نتيجة لندرة وسائل النقل العامة وغياب بدائل موثوقة في منطقته. مشكلة النقل السري تعود للواجهات العمرانية المتطورة والاحتكام لهذا النوع من النقل في ظل غياب خدمات النقل العام.

ومع ذلك، يؤكد عبد الرزاق أن الطريق ليست مليئة بالورود. يقول: « العراقيل والمخاطر التي كنت أواجهها يومياً كانت مروعة. كان يصعب علي الوصول إلى العمل دون مواجهة مواقف صعبة ومحفوفة بالمخاطر ». يشير إلى أن السائقين في هذا النوع من النقل غالباً ما يتجاوزون الحدود السرعة المسموح بها ويسيرون بشكل متهور، مما يضع حياة الركاب في خطر.

وما يجعل الأمور أكثر تعقيداً هو تأثير النقل السري على سيرورة العمل. يقول عبد الرزاق: « كثيراً ما واجهت مشاكل مع أرباب العمل بسبب التأخير الذي كنت أعانيه بسبب غياب بدائل التنقل ». يضيف: « كان علي التحمل والمشي على الأقدام لضمان سلامتي ولكي لا أفقد عملي ».

مخاطر بالجملة

ليس وحده عبد الرزاق من يضطر إلى استخدام النقل السري في تنقلاته، إنما سكان هذه المنطقة النائية كلهم مجبرون على ذلك، كما لو كان قدرهم المحتوم.

انتقلنا إلى منطقة ليساسفة، التي ينتشر فيها هذا النوع من النقل خصوصا باتجاه حي العراقي الواقع بالمدخل الجنوبي الغربي لمدينة الدار البيضاء، التابع للنفوذ الترابي لجماعة دار بوعزة بإقليم النواصر. ووفق ما استقيناه من عين المكان، فبالرغم من أن النقل السري يحل عددا من المشاكل التي تعاني منها ساكنة تلك المنطقة النائية، إلا أنه بالمقابل يطرح مشاكل عديدة، أبرزها نقل المواطنين بشكل عشوائي دون مراعاة لسلامة الركاب، حيث يتم شحن السيارات المخصصة لهذه الأغراض بما يزيد عن طاقتها الاستيعابية ليصل عدد الركاب في كل سيارة إلى 7 أشخاص، إلى جانب السير بسرعة قصوى تتعدى السرعة المسموح بها، ناهيك عن خرق القوانين مثل خرق الإشارات الضوئية أو السير في الاتجاه المعاكس للطريق من أجل الوصول بسرعة، والأدهى من كل ذلك أن بعض السائقين لا يتوفرون على رخصة السياقة فبالأحرى تأمين السيارة...

وقال أحد سكان المنطقة في حديث مع le360 « إننا نعاني من هذه الظاهرة بشكل يومي، حيث أصبحنا نخاف من تنقلنا مع السائقين المتهورين، وسياراتهم التي لا تتوفر فيها شروط الأمن والسلامة الملائمين لنقل المواطنين، وعدم تحملهم المسؤولية في حالة وقوع حادثة أو شيء من هذا القبيل ».

وأوضح متحدث آخر، بأن سكان المنطقة يضطرون إلى التنقل عبر هذه المركبات للوصول إلى مقرات عملهم نظرا لغياب بدائل، حيث يغامرون بأنفسهم رغم الخطورة التي تشكلها على حياتهم.

وأضاف المتحدث: « إلى جانب تصرفات بعض سائقي سيارات النقل السري، فبعضهم يسوق وهو ما يزال تحت تأثير السكر، والبعض الأخر يقوم بالسياقة بدون توفره على رخصة، زد على ذلك السير في الاتجاه المعاكس للطريق، وعدد من السلوكات التي تشكل خطرا كبيرا على الركاب ».

لا أمان ولا تأمين

يحكي أحمد، وهو واحد من أبناء المنطقة، كيف أنه تعرض لحادثة سير خلال تنقله مع أحد أرباب سيارات النقل السري. ويقول إنه يتذكر جيدا ذلك اليوم، عندما تعرضوا لحادثة كادت تزهق أرواحهم بسبب السرعة المفرطة، ليقوم السائق المتهور بإنزال الركاب قبل أن يلوذ بالفرار دون الاطمئنان على صحة وسلامة الركاب.

وتنص المادة 182 من مدونة السير تنص على أنه يعاقب بالحبس من شهر إلى ستة أشهر وبغرامة من ألفين 2.000 درهم إلى عشرة آلاف 10.000 درهم كل سائق ارتكب حادثة أو تسبب في وقوعها ولم يتوقف وحاول سواء بالفرار آو بتغيير حالة مكان الحادث أو بأي وسيلة أخرى، التملص من المسؤولية الجنائية أو المدنية التي قد تعرض لها، تأمر المحكمة بتوقيف رخصة السياقة لمدة تتراوح بين سنة إلى سنتين.

النقابات تندد والجماعة تنفي

قال مصطفى شعبان، الكاتب الإقليمي للنقابة الوطنية لسائقي سيارات الأجرة بجهة الدار البيضاء سطات، المنضوية تحت لواء الاتحاد المغربي للشغل، « إن ظاهرة النقل السري انتشرت بشكل كبير على مستوى مدينة الدار البيضاء، وأثرت بشكل قوي على مدخول السائقين المهنيين وأصحاب سيارات الأجرة بنسبة 50%، خصوصا في الفترة الأخيرة التي شهدت زيادات متتالية في مادة الغازول ».

وأوضح شعبان، في تصريح لـle360، بأن مهنيي القطاع بجهة الدار البيضاء سطات، يعانون من عدة مشاكل، أبرزها الأوراش الكبرى التي تشهدها المدينة، والتي أثرت بشكل كبير على مهنيي القطاع، وعرقلت وصولهم لمجموعة من النقط لنقل الزبائن، وهو ما شكل فرصة سانحة لأصحاب النقل السري وأصبحوا ينقلون المواطنين بدون رخصة، خوصا بمنطقة ليساسفة بإتجاه حي العراقي ومجموعة من النقط الاخرى بالمدينة.

وأشار النقابي، إلى أن السائقين المهنيين يقعون يوميا في مواجهة مع أصحاب النقل السري، بحيث يتم تبليغ الأمن لحجز السيارات الغير المرخصة ووضعها بالمحجز البلدي مع تحرير محاضر الضابطة القضائية لنقل الركاب بدون رخصة.

وارتباطا بالموضوع، قال شعبان، إن المهنيين وإلى جانب سيارات النقل السري، يعانون أيضا من انتشار الدراجات ثلاثية العجلات والتي تستعمل بدورها في النقل السري للمواطنين، وتعتبر أكثر خطورة، حيث تسببت خلال سنة 2021، في 3000 حادثة سير خلفت 80 قتيلا، حسب إحصائيات رسمية.

وتعليقا على الموضوع، نفى هشام غفير رئيس جماعة دار بوعزة بإقليم النواصر، في تصريح ل le360، « انتشار النقل السري في المنطقة »، مشددا على أن هذه الظاهرة « غير موجودة ».

وعن الحلول المقترحة، أفاد الكاتب الإقليمي للنقابة الوطنية لسائقي سيارات الأجرة بجهة الدار البيضاء سطات أن من الحلول لمحاربة هذه الظاهرة هي « تطوير خدمات المهنيين لهذا القطاع وعدم رفض الرحلات التي يطلبها المواطن وتوفير جودة في الخدمات عكس سيارات النقل السري التي تشتغل بعشوائية ».

ما يقوله القانون

يسمح القانون المغربي بالنقل السري في المجال القروي، وفق ضوابط قانونية، لكنه يجرمه في الوسط الحضري، حيث ينص الفصل 24 من مدونة السير المتعلق بالعقوبات والغرامات، أنه

ويعاقب بغرامة تتراوح بين 200 و10.000 درهم وبالحبس من ستة أيام إلى 6 أشهر أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط، كل من يستغل مصلحة عمومية لنقل المسافرين أو البضائع بواسطة سيارة دون أن يكون مقبولا لهذا الغرض أو بواسطة سيارة غير مرخص لها أو مخالفة للشروط المبنية في بطاقة رخصة العربة.

وكذا كل من يقوم بمخالفة الفصل 21 من الظهير الشريف أو للنصوص المتخذة لتطبيقه باستغلال مكتب للنقل أو إسداء مساعدة لهذا الاستغلال بأي وجه من الوجوه، أو ممارسة مهنة وسيط بين الناقل والزبون بأي صفة من الصفات، وكل من له صفة ناقل واستعمل مكتبا للنقل من هذا القبيل.

وفي حالة العودة إلى المخالفة، فإن القدر الأدنى للغرامة الواجب الحكم بها يبلغ 4.000 درهما دون تأجيل التنفيذ، ويمكن علاوة على ذلك مضاعفة القدر الأقصى للغرامة ويعتبر المقترف قد عاد إلى المخالفة التي صدرت عليه خلال الثلاثمائة والخمسة والستين يوما السابقة للمخالفة عقوبة من أجل مخالفة من نفس النوع بمقرر اكتسى قوة الشيء المقضى به.

وبصرف النظر عن الأحكام السابقة فإن كل عربة تقوم بالنقل وتوجد عبر الطريق العمومية مخالفة لمقتضيات الظهير الشريف هذا أو للنصوص المتخذة لتطبيقه تساق على نفقة وعهدة المخالف إلى المستودع البلدي أو إلى مرأب تعنيه السلطة الحكومية المكلفة بالنقل.

على أمل حلول جذرية

بعدما كانت ظاهرة النقل السري متفشية في الوسط القروي نظرا لغياب بدائل، انتقلت لتنتشر في المدن، ورغم مجهودات السلطات العمومية لمحاربتها إلا أنها آخذة في التنامي خصوصا في بعض المناطق التي تعاني من قلة وسائل النقل العمومي أو الإزدحام في أوقات الذروة.

ومع استمرار تنامي هذه الظاهرة في الضواحي، يبقى الناس في انتظار حل جذري لمشكلة النقل السري. ومن المهم أن تتحرك الجهات المسؤولة بسرعة لتحسين وضع النقل العام وتوفير بدائل آمنة وفعالة للمواطنين، من أجل تخفيف العبء عن كاهلهم وتوفير بيئة تنقل أفضل.

ويناشد عبد الرزاق الجهات المعنية والسلطات المحلية بتحسين الوضع، وتوفير وسائل نقل عامة موثوقة وآمنة للمواطنين. يقول: « نحن بحاجة إلى حل حقيقي لهذه المشكلة. نحن نحتاج إلى وسائل نقل تسهم في تحسين حياتنا وتجعل من التنقل تجربة آمنة وسلسة ».

تحرير من طرف محمد أهراس / صحفي متدرب
في 30/08/2023 على الساعة 08:30, تحديث بتاريخ 30/08/2023 على الساعة 08:30