إنّ المتأمّل للساحة التعليمية اليوم، يجد نفسه أمام خطابات لا إصلاحية، تدور في مجملها حول التعاقد والتقاعد والترقية وعدد الساعات والانتقال وطبيعة العمل، في غياب تام للحديث عن الأزمة الفجّة التي لم يستطع الوزير الحالي محمّد سعد برادة أنْ يُفكّك بعضاً من شجونها وأهوالها. إذْ أنّ صبغة الخطابات الإصلاحية على سطح المشهد التعليمي تهُمّ فئة الذي «فُرض عليهم التعاقد » وليس المجتمع ككل. صحيح أنّ إصلاح الوضعية الاعتبارية للأستاذ تدخل ضمن رؤية الإصلاحات التعليمية، لكن كيف يعقل أنْ تكون السنة الدراسية عبارة عن مظاهرات ووقفات، تظلّ في مجملها شعاراتٍ حول وضعية الأستاذ؟
إنّ المشكلة التعليمية بنيوية، فهي تحتاج إلى مناظرات حقيقية يشارك فيها كلّ الفاعلين من مفكّرين ومثقفين وجمعيات المجتمع المدني والسياسيين وكلّ الأطراف المعنيّة بالشأن التعليمي. إذْ ان الوعود التي قطعتها الحكومات السابقة، لم تنجح أيّ حكومة في إعادة الاعتبار للتعليم وتقديم مشروع إصلاحي متكامل يتأمّل الأهوال والمصائب التي يمُرّ منها تعليمنا ويحدس إلى مكامن العطب في المنظومة التعليمية.
رغم الوصفات المتعدّدة التي قدمها وزراء تعاقبوا على القطاع التعليمي، لم ينجح أيّ واحد منهم في إخراج المنظومة من براثن الجهل الذي تتخبّط فيه. يستغرب المرء كيف أضحت لقاءات الوزير الحالي باجتماعات اللجنة العليا للقطاع، في مجملها حديث عن الزيادة والاقتطاع والترقية، في غياب تام لمناقشة الواقع وما يحبل به من مشاكل ذات صلة بالمواد والبرامج أمام التحوّلات التي بات يعرفها العالم.
ذلك إنّ التقارير الصادرة هنا وهناك، تُقدّم إشارات دقيقة في كون التعليم أصبح في وضعية مُقلقة لدرجة تبدو فيها بعض المواد وكأنّها خارجة عن الواقع الذي ننتمي إليه. إذْ كيف يعقل أن تصبح الاجتماعات الوزارية عبارة عن دير «الخاطر» للأساتذة في وقتٍ يغادر فيه حوالي 300 ألف تلميذ مقاعد الدراسة؟
سنوياً يكلّف التعليم ملايير من المال العام، لكنْ مع ذلك لا شيء يتغيّر. فالأمية التعليمية ترتفع والتلاميذ والطلبة أصبحوا يجدون في المواد التي يدرسونها والمناهج التي بها يتلقون المعرفة مجرّد عبئ كبير على أجسادهم وحشو عقولهم بنمطٍ من المعرفة التقليدية التي لا تنفعهم في شيء. كما أنّ تردّي التكوين المعرفي للأساتذة، بعدما أصبحوا مجرّد « موظفين » يعملون على الاكتفاء بدروس موجودة مسبقاً على الإنترنيت، ساهم في تأزيم المنظومة التعليمية، خاصّة وأنّ وظيفة الأستاذ لا تقتصر إطلاقاً على التلقين وإنّما على التربية وزرع الفضول العلمي والشغف الإبداعي، كما كان الحال دائماً مع الأجيال الأخرى من الأساتذة الذين طالما آمنوا بالمعرفة والرأسمال الثقافي وحوّلوه إلى تلاميذهم وطلبتهم.


