الوفاة الغامضة لسيدتين أثناء عمليتيْ ولادة بالدار البيضاء.. ماذا يقول الطب الشرعي؟

مصحة تادارت بالدار البيضاء (خليل السالك/Le360)

في 16/01/2025 على الساعة 15:48

مازالت عائلتا الشابتين اللتان توفيتا، يوم الأربعاء 8 يناير 2025، في ظروف غامضة، خلال وضعهما لمولوديْهما في عمليتين قيصريتين أجرتاها داخل مصحة «جنان تادارت» بالدار البيضاء، (مازالتا) تنتظران نتائج تقرير الطب الشرعي، للتعرف على السبب الرئيسي لوفاة ابنتيْهما اللتين كانتا في حالة صحية جيدة، هل هي وفاة طبيعية؟ أم خطأ طبي؟ هي تساؤلات تَطرُق في رؤوس أفراد عائلتيْ الشابتين ويبحثون عن إجابات لها.

زوج الهالكة، قال، في تصريح لـLe360، «إننا مازالنا ننتظر نتائج تقرير الطب الشرعي، لأنه الوحيد القادر على معرفة السبب الحقيقي للوفاتين».

ومن المحتمل أن تصدر نتائج تقرير الطب الشرعي في غضون يوم أو يومين، كما من المحتمل أيضا أن تتأخر لضعة أسابيع وفق ما أكده البروفسور هشام بنيعيش، رئيس مصلحة الطب الشرعي بالمستشفى الجامعي ابن رشد بالدار البيضاء، لأنه، وحسب المختص، الذي عاين طيلة مسيرته المهنية حالات مشابهة، «هناك اختلاف بين الحالات، فبعضها يكون سبب الوفاة فيها ظاهرا بالعين المجردة، وفي حالات أخرى نلجأ إلى تحاليل مجهرية إضافية، بعضها يتم داخل مختبر التحاليل المجهرية بالمستشفى الجامعي ابن رشد بالدار البيضاء، والبعض الآخر، كالتحاليل السمومية، يتم توجيهها لمختبرات الشرطة العلمية أو الدرك الملكي».

أسباب الوفيات أثناء أو بعد الولادة

من خلال الحالات التي عاينها رئيس مصلحة الطب الشرعي، يقول البوفيسور إن السبب الرئيسي لوفاة أغلبها هو نزيف ما بعد الولادة.

يشرح البروفيسور بنيعيش: «أنا لا أخص بالذكر الوفاتين اللتين تم تسجيلهما مؤخرا، لأنني لم أطلع على ملفيْهما الطبيين، ولم يتم التشريح داخل مصلحتنا. لكن عموما، في أغلب الحالات المتعلقة بوفيات الأمهات أثناء أو بعد الولادة، والتي يتم تشريحها، يكون سبب الوفاة نزيف ما بعد الولادة بالدرجة الأولى، ويكون سببه عدم تقلص عضلة الرحم أو تمزق عضلة الرحم وهناك أسباب أخرى، لكن هذا هو السبب الرئيسي».

وتابع: «نزيف ما بعد الولادة يؤدي للوفاة، لأن توقيفه ليس سهلا، وسببه أن عضلة الرحم لا تتقلص وتبقى العروق، التي كانت متمسكة بالمشيمة، تنزف. في الحالات الطبيعية، يجب أن يقع تقلص فزيولوجي وهذا هو الطبيعي، لكن في حالات أخرى لا يقع وهو ما يشكل خطرا يؤدي للوفاة»

هذا الخطر، ووفق ما أكده البروفيسور، وارد في كلتا الحالتين: ولادة طبيعية أو قيصرية، وليس من الضروري أن يكون مرتبطا بخطأ طبي، فهذه الوفيات قد تقع بالرغم من كل التدخلات الطبية أو الجراحية الضرورية و في أكبر المراكز الاستشفائية بالعالم.

التخدير

أصابع الاتهام في قضية الوفاتين اللتين تم تسجيلهما داخل مصحة «جنان تادارت»، تشير إلى كون المريضتين تحسستا من التخدير، وفق تصريحات عائلتيهما، لأنهما، ومباشرة بعد حقنهما بالمخدر الموضعي، ظهرت عليهما أعراض غير طبيعية، وهو ما يفسر في الأوساط الطبية بصدمة الحساسية (Le choc anaphylactique). ما هي هذه الصدمة؟

يقول البروفيسور بنيعيش: «في بعض الحالات، يمكن أن تظهر عند بعض الأشخاص حساسية من بعض مكونات «البنج»، بما أنه يتكون من مجموعة من الأدوية (أدوية منومة وأدوية ترخي العظلات وتشل حركتها وأدوية مضادة للآلام...)».

هذه الأدوية، وحسب المختص، يمكن أن تتسبب في حساسية مفرطة أو يمكن أن تؤثر على بعض أعضاء الجسم كالقلب والكبد...

لهذا السبب، يشرح البروفيسور، قبل أي عملية جراحية، يقوم الطبيب المختص في التخدير بالاطلاع على الملف الطبي للمريض ومعاينته وتقييم المخاطر المرتبطة بـ«البنج» وبالعملية ككل. أحيانا يتطلب الأمر اللجوء إلى فحوصات بيولوجية أو تخطيط القلب أو تصوير بالأشعة، وفي حالات أخرى، تكون هناك فحوصات أدق، «المخاطر دائما موجودة لكن يجب أن نقلصها قدر الإمكان وعلى هذا الأساس يقرر الطبيب».

كيف تتم عملية التشريح في هذه الحالات

تدخل وفيات أثناء أو بعد الولادة في إطار الوفيات الطبيعة، ولا تدخل ضمن الوفيات التي يجب أن يكون فيها التحقيق القضائي إلزاميا، لكن في بعض الحالات، عائلة الهالكة تشكك في طريقة تدبير حالة قريبتهم أو في سبب وفاتها وترفض تسلم الجثة وتلجأ للأمن أو للنيابة العامة من أجل المطالبة بفتح تحقيق، وهذا من حقهم، وإن كان من الأفضل، في كثير من الحالات، الاتصال بالطبيب المعالج للحصول على أجوبة للعديد من التساؤلات.

وفي هذه الحالات، وكيل الملك أو الوكيل العام تكون له صلاحية النظر في ما إذا كانت هذه الحالة تستلزم التشريح الطبي. وغالبا ما تأمر النيابة العامة، في مثل هذه الحالات، بفتح تحقيق، لأن عملية التشريح تعطينا، على الأقل، السبب الحقيقي للوفاة.

الطبيب الذي يقوم بعملية التشريح، يردف البروفيسور بنيعيش، يطلع على الملف الطبي، وتكون هناك بعض الفرضيات التي تحوم حولها الشكوك في كونها السبب وراء الوفاة، وخلال عملية التشريح نحاول البحث عن ما يعزز أو ما ينفي كل فرضية.

هناك حالات تستدعي أخذ عينات من أجل تشريح مجهري من مختلف أعضاء الجثة كالرحم والقلب والكلي والدماغ لمعرفة السبب الرئيسي للوفاة، «بالإضافة إلى ذلك، يتم إجراء تحاليل دم للتحقق من وجود وتركيز الأدوية التي تم استعمالها لدى الأم أو الحامل. تساعد هذه التحاليل في التأكد من أن العلاجات قد تم استعمالها بشكل صحيح ولم تساهم في الوفاة، وفقا لبنيعيش.

وبعد التعرف على سبب الوفاة مع الحصول على معطيات الملف الطبي، يتابع التمحدث ذاته، يمكننا أن نعرف ما إذا كان قد وقع خطأ بالفعل في تدبير عملية الولادة وما بعد الولادة أم لم يكن هناك خطأ.

أول تصريح للمصحة

بعد أسبوع من الجدل القائم، خرجت إدارة المصحة المعنية عن صمتها لتوضح بعض علامات الاستفهام التي تم طرحها.

وفي تصريح حصري لـLe360، قالت إدارة المستشفى إن «المصحة سجلت وفاتين وليس ثلاث وفيات كما تم تداوله»، مؤكدة أن التحقيق جارٍ في الموضوع، حيث حلت لجنة من وزارة الصحة إلى جانب السلطات الأمنية وتم اتخاذ جميع الإجراءت القانونية.

وأوضحت الإدارة أن صمتها راجع إلى كون التحقيق ما يزال جاريا في القضية، وتنتظر صدور نتائج التشريح الطبي وانتهاء التحقيق كي تصدر بيان حقيقة لتوضح كل ما وقع.

«نتأسف عن ما وقع. لأول مرة تعيش المصحة هذا الوضع، فمنذ افتتاحها سنة 2023، تم إجراء حوالي 2752 عملية ولادة قيصرية، لم تُسجّل ضمنها أي حالة وفاة»، تضيف الإدارة

وفي رسالة وجهتها للمواطنين، قالت إدارة المصحة: «نطلب من المواطنين عدم نشر الإشاعات، ارحموا النساء الحوامل وارحموا خوفهن، سواء في مصحتنا أو في مصحات أخرى، فترهيبهم بهذه الطريقة يؤثرعلى نفسيتهم التي تكون في الأصل حساسة قبل الولادة».

ما الذي وقع داخل المصحة؟

في تمام الساعة الثامنة من يوم الثامن من يناير الجاري، دخلت كنزة، وهي شابة في الـ23 من عمرها إلى إحدى المصحات الخاصة بمدينة الدار البيضاء كي تضع مولودها الأول الذي اختارت له اسم «غالي». بعد نصف ساعة، تم تجهيزها وإنزالها إلى غرفة العمليات، كانت الأمور طبيعية وحالتها الصحية جيدة، تم حقن الشابة الحامل بالمخدر الموضعي الذي يستعمل عادة في الولادات القيصرية وبمجرد أن توغلت المادة المخدرة في شرايينها حتى تفاعل جسمها بطريقة غير طبيعية وهو ما يفسر في الأوساط الطبية بصدمة الحساسية Le choc anaphylactique.

طبيبة النساء والتوليد المشرفة على الحالة، ووفق ما أكده زوج الشابة، «رفضت بدأ العملية القيصرية بعدما لاحظت أن المريضة تتحرك بطريقة غريبة، لكن الطبيب المتخصص في الإنعاش والتخدير نصحها بإكمال العملية وإنقاذ الطفل قبل تأثره بالحقنة الأولى التي تحسست منها والدته، وهو الشيء الذي استجابت له الطبيبة بعد تخذير المريضة بالكامل»، (حسب رواية زوج الهالكة، والذي قال إن طبيبتها النسائية هي من أخبرته بهذه المعلومات).

بعد ساعة تقريبا، أي عند حوالي الساعة التاسعة والنصف، انتهت عملية الولادة، وتم نقل الطفل في حالة صحية جيدة إلى قسم المواليد الجدد، فيما تم إدخال الأم إلى قسم العناية المركزة، والذي مكثت فيه من الساعة العاشرة تقريبا من يوم الأربعاء 8 يناير 2025 إلى الساعة الثالثة صباحا من اليوم الموالي الخميس 9 يناير حيث تم إعلان وفاتها.

في اليوم نفسه، وفي الساعة نفسها، حالة أخرى لسيدة ثلاثينية، دخلت هي الأخرى لوضع مولودها الثاني لكنها أسلمت الروح لبارئها قبل ساعات من وفاة كنزة، والسبب واحد، تعرض جسمها لصدمة حساسية بعد حقنها بالمخدر، ودخولها لقسم العناية المركزة ثم وفاتها بعد ذلك. لكن هل هذا هو السبب الحقيقي للوفاة؟. الإجابة في تقرير الطب الشرعي.

قال زوج كنزة: «بعد مضي ساعة تقريبا قضيتها في الاستقبال، اتصلوا بي لإبلاغي بأن زوجتي قد ولدت وطلبوا منا إرسال الملابس. نزلت والدتها وسلّمت الحقيبة إلى الممرضين لكنها لم تتمكن من رؤيتها».

بعد دقائق، يحكي الزوج: «أعطونا غرفة، وقمنا بترتيب أغراضنا، كنا متحمسين لرؤيتها، كل 30 دقيقة، أو كل ساعة، كنت أنزل للاستفسار عن أخبارها، لكنهم رفضوا السماح لي بالدخول إلى غرفة العمليات». كانوا يكررون باستمرار: «لم تستيقظ بعد من التخدير».

وسط صمت الأطقم الطبية والتمريضية داخل المصحة، كان خوف عائلات الهالكتين يزداد شيئا فشيئا، قلق، انتظار، وشعور بالعجز التام، فحسب تعبيرهم «كانت الأجواء غريبة في الاستقبال».

«بعد ثلاث ساعات تقريبا، بدأت القلق يزيد، كان الموظفون يتحركون بنشاط، لكن الإجابات بقيت غامضة. في النهاية، قالت لي إحدى الممرضات: زوجتك ليست هنا لقد تم نقلها للعناية المركزة. تساءلت لماذا؟ كيف؟ أخبرني طبيب الإنعاش والتخدير أن زوجتي تحست من البنج الموضعي واضطررنا لتخذيرها بالكامل، كل شيء طبيعي وحالتها مستقرة».

عاد زوج كنزة إلى الاستقبال، ولمح رجلا آخر، واضح عليه الألم، عندما اقترب منه وتبادلا أطراف الحديث، علم أن زوجته هي الأخرى، دخلت المستشفى للولادة الثانية، وهي أيضا في العناية المركزة.

يقول زوج الشابة الثانية: «تم إخباري أن زوجتي في العناية المركزة في منتصف النهار، دخلت لرؤيتها عند حوالي الساعة الثانية عشرة والنصف، كانت فاقدة للوعي لكن جسمها كان يترنح ويتحرك بقوة، هي والمريضة التي بجانبها، والتي عرفت فيما بعد أنها زوجة الرجل الذي التقيته في الاستقبال».

يؤكد زوج كنزة: «أخبرني أنه تمكن من رؤية زوجته وزوجتي وكان جسداهما يتحركان بطريقة غريبة، فأصريت على دخول قسم العناية المركزة لرؤية زوجتي. كانت في وضعية صعبة مثل ما وصفها لي وكانوا يغلقون عينيها بضمادات، هنا شعرت أن هناك خطب ما».

بعدما أصر الزوج على معرفة ما يحدث، قالوا له «لا نريد إيقاظها لأن حالتها حساسة جدا».

عند حوالي الساعة الرابعة والنصف، تم إعلان وفاة الهالكة الأولى، زوجة الرجل الآخر. يقول زوج كنزة: «بدأت أشعر بالذعر أكثر».

وعندما سأل مرة أخرى، أخبروه أن «كل شيء مستقر»، ويمكنه المغادرة والعودة لاحقا. «حوالي الساعة الثانية عشرة والنصف من منتصف الليل، قالوا لنا مرة أخرى إنها مستقرة… نصحوني حتى بالعودة إلى المنزل والرجوع في اليوم التالي».

الزوج، قرر البقاء على الرغم من النصائح الملحة من الموظفين. أخيرا، عند حوالي الساعة 3 صباحا، اقترب منه أحد الممرضين وقال: «يجب عليك رؤية طبيبها…»، وبعد لحظات قليلة، جاءت الأخبار الفظيعة: توقفت قلب زوجتك، توفيت!

اليوم، وبعد مضي أسبوع تقريبا، ما زالت عائلتا الهالكتين تنتظران ما ستسفر عنه التحقيقات، وكل ما يطالبون به هو تحقيق العدالة ومعاقبة من ثبت تقصيره، لتكريم ذكرى هاتين الشابتين اللتين غادرتا في وقت مبكر جدا، ومنع تكرار مثل هذه المأساة.



تحرير من طرف فاطمة الزهراء العوني
في 16/01/2025 على الساعة 15:48