منذ القرن الحادي عشر، أدار سلاطين مغاربة الصحراء الشرقية وطريق التجارة إلى إفريقيا جنوب الصحراء. أول طريق سنناقشه في هذا العمود يربط أقا في المغرب بتمبكتو في مالي. كان هذا الطريق ممرا حقيقيا للسلطة، منظما حول نقاط استراتيجية مراقب من قبل السلطة المركزية. كان يضمن أيضا سيطرة حيوية على الموارد، وخاصة الملح والذهب، اللذين كانت مناجمهما تدار تحت الإشراف المباشر لقياد يعينهم السلاطين المغاربة. وتشهد أرشيفات نانت وإكس أون بروفانس على وجود مغربي مستمر، من خلال القيادات العسكرية والمناجم الاستراتيجية والمواثيق القبلية المعقدة، مما أعاد رسم الخريطة التاريخية والسياسية للصحراء.
طريق أقا-تندوف-تَوْدِنّي-تمبكتو
كان هذا الطريق، الذي يربط أقا في المغرب بتمبكتو (مالي) عبر تندوف (الجزائر) وتَوْدِنّي، تهيمن عليه قبائل مغربية كبرى مثل الركيبات وبني امحمد وتجكانت وكنتة. وارتبطت أهميته ارتباطا مباشرا بمنجم تَوْدِنّي (مالي)، المشهور بجودة ملحه العالية، والذي يتميز بمقاومته العالية لصعوبة النقل.
وأفاد الملازم جورج سالفي في سنة 1937 بأن «مناجم ملح تَوْدِنّي كانت ملكا للمغرب حتى الحرب العالمية الأولى». في ما يلي المقطع كاملا: «في عام 1937، تفضل الكولونيل دورفيل (Derville)، القائد السابق لدائرة تمبكتو، بمشاركة دراسته غير المنشورة عن «حق الخمس» في تَوْدِنّي، وأرفق بها وثائق متنوعة عن الصحراء الوسطى. وطلب النقيب ديبا (Dupas)، رئيس المكتب الجهوي في تزنيت، معلومات عن التجارة عبر الصحراء في الماضي والحاضر، فدفعني ذلك إلى دراسة هذه الوثائق. بعد دراسة هذه التجارة، لاحظت أن مناجم الملح في تَوْدِنّي كانت ملكا للمغرب حتى الحرب العالمية الأولى، وجمعت أيضا معلومات متنوعة عن قبيلتي كنتة وأهل عابدين». (جورج سالفي، «قبيلة كنتة جنوب المغرب، تاريخ زاوية سيدي عابدين (الكنتي)»، مركز الأرشيفات الديبلوماسية لنانت، الجرد 8، صندوق 452).
ودعمت هذه الشهادة من قبل عالم الأنثروبولوجيا الإيطالي أتيليو غاوديو (Attilio Gaudio)، الذي كتب عام 1978، بخصوص موقع المغرب في الصحراء: «وأخيرا، وهذا أمر يكاد يكون مجهولا، توارث قياد مغاربة، ينحدرون من بني حيون (وهي عائلة بني حيون نفسها التي كانت تدير منجم تغازة)، قرب درعة، وظيفة قايد منطقة تَوْدِنّي. واستمر هذا الوضع، وهو في الواقع من النتائج البعيدة لحملة جودر المغربية إلى تمبكتو في القرن السادس عشر، حتى عام 1925». (أتيليو غاوديو، «ملف الصحراء الغربية»، منشور من قبل دار النشر «Nouvelles éditions Latines» 1978).
وأشار الجنرال بواسبواسيل (Boisboissel) في مقاله عام 1956 إلى أن «مطالبة المغرب بتَوْدِنّي تعود إلى أحد بنود الهدنة التي فرضها السلطان على أسكيا المهزوم». وأضاف أنه «بعد احتلال تمبكتو (من قبل فرنسا، ملاحظة المحرر) عام 1894، تعهدت السلطات الفرنسية بتنظيم استغلال الملح وتجارته، وظل قايد مغربي يقيم رمزيا في قصر سميدا (ksar de Smida)، بالقرب من المناجم». مقال إيف دو بواسبواسيل (Yves de Boisboissel)، منشور في مجلة «Histoire militaire»، العدد 17، 1956، ص 131.
في ما يتعلق ببني حيون التي ذكرها غاوديو، نشير إلى مذكرة شخصية غير موقعة من أرشيف إكس أون بروفانس، مؤرخة في 1958، مذكرة تذكر أنهم كانوا يخدمون المغرب لمدة 200 عام:

الطريق الصحراوي: ثروات الذهب والملح
كان التحكم في طريق طريق أقا-تندوف-تَوْدِنّي-تمبكتو ذا أهمية اقتصادية بالغة للمغرب. يتعلق الأمر بأهم طرق القوافل عبر الصحراء الكبرى التي ربطت المغرب بإمبراطوريات الساحل (غانا، ثم مالي، وسونغاي) ومدن حوض النيجر. منذ العصور الوسطى، جلبت المبادلات عبر الصحراء للمغرب موردين استراتيجيين: الذهب من غرب إفريقيا والملح من المناجم الصحراوية.
وشكل الذهب إحدى القواعد النقدية للسلالات المغربية. فعلى سبيل المثال، سك المرابطون دينارا ذهبيا خالصا -وهو الدينار المرابطي الشهير- من المعدن النفيس المستورد من بلاد السودان.
لاحقا، لُقِّبَ السلطان السعدي أحمد المنصور (1578-1603) بـ«الذهبي» نظرا لكميات الذهب التي جمعتها الإمبراطورية. لذا، كانت السيطرة على مصادر الذهب رهانا استراتيجيا: كان من الضروري تأمين الطرق التي يمر عبرها الذهب من مناجم بوري «Bouré» وبامبوك «Bambouk» (مالي وغينيا حاليا) إلى مراكش أو فاس. كما كان الملح سلعة حيوية للمغرب (يستخدم لحفظ الطعام وكمكمل غذائي). كانت أحواض الملح الرئيسية في الصحراء تقع في تغازة (Teghazza)، ثم بعد نفادها في هذه المنطقة، في تَوْدِنّي (شمال تمبكتو). كانت السيطرة على تغازة/تَوْدِنّي تعني السيطرة على مواد مربحة: وفقا لمصادر تلك المرحلة، كان سلطان المغرب يتلقى ضريبة على كل حمولة ملح تستخرج من المناجم الصحراوية.
شهادة كاميي دولس
اعتمد الطريق الصحراوي على قوافل الجمال الكبيرة التي نظمها التجار وقبائل الرحل. تعطي شهادات القرن التاسع عشر، التي جمعها المستكشفون الأوروبيون على وجه الخصوص، فكرة عن حجم هذه المبادلات. في عام 1887، سافر المستكشف الفرنسي كاميي دولس على طول طريق تندوف-تمبكتو، ولاحظ أن «القوافل المارة عبر تندوف كانت تضم أحيانا آلافا من الجمال المتنقلة بين المغرب وإفريقيا» (كامي دولس، «رحلات في الصحراء الغربية والجنوب المغربي»، 1888، منشورات «Société normande de géographie»).
وأشار إلى أن البضائع القادمة من السودان (مثل الذهب، وريش النعام، وجوز الكولة، والعبيد، والعاج، وغيرها) كانت تودع جزئيا في تندوف، وهي مركز صحراوي رئيسي، قبل أن يعاد توزيعها على أسواق المغرب (عبر أقا، وكلميم، ومراكش، وموغادور). وفي الاتجاه المعاكس، كانت القوافل تعود إلى تمبكتو محملة بالمنتجات المغربية: النسيج، والتمور من تافيلالت، والأسلحة النارية، والخيول، والتبغ، والمجوهرات، وهي سلع كانت تحظى بشعبية كبيرة للغاية في السودان.
في تندوف، المدينة التي أسسها عام 1857 ولي صالح من قبيلة تجكانت المغربية، انبهر دولس برموز من السيادة المغربية: رفع علم السلطان فيها، وإلقاء الخطبة باسمه في صلاة الجمعة. ووصف تندوف بأنها «حديقة مغربية ومفترق طرق للقوافل الإفريقية»، مشيرا إلى أنه هو نفسه، خلال عام من التجوال في الصحراء، لم يشعر قط بأنه يغادر أراضي المملكة الشريفة. وفي عام 1897، قام مستكشف آخر، وهو ماركيز دي موريس (Marquis de Mores)، بمهمة اتصال بين المغرب وبحيرة تشاد عبر الصحراء، حاملا معه أوراق اعتماد من السلطان عبد العزيز: وقد برهن هذا على أن المغرب كان يطالب دبلوماسيا بالمناطق النائية الصحراوية في وجه الأطماع الفرنسية، مما يظهر أنه مارس بالفعل شكلا من أشكال السيادة التقليدية.
الحدود الخفية للسيادة
كان مصب وادي درعة (منطقتا أقا وتوات) نقطة دخول وخروج رئيسية للقوافل. كان يتم إنشاء حصون هناك، وتعيين قياد للإشراف على هذه المراكز التجارية. فعلى سبيل المثال، في نهاية القرن التاسع عشر، خلال حملاته في الجنوب، منح السلطان مولاي الحسن الأول ألقاب قايد لعدد من الزعماء المحليين ليتمكنوا من إدارة قبائل وادي نون وتوات وتندوف نيابةً عنه.
وهكذا، يكشف تاريخ طريق أقا-تندوف-تَوْدِنّي-تمبكتو، الموثق في الأرشيفات وشهادات المستكشفين والرحالة، عن أكثر من مجرد طريق تجاري: فهو يرسم حدودا غير مرئية، ولكنها ملموسة للسيادة، يرسم خيطا من الذهب والملح يربط الصحراء الشرقية بشكل وثيق بالقلب التاريخي للمملكة الشريفة. هذا الحكم السلطاني، الذي تجسد في القياد المعينين على أطراف الصحراء، والقوافل التي لا تحصى، والمواثيق القبلية التي رسخها الزمن، يذكر بأن الكثبان الرملية لم تكن فضاء فارغا، بل كانت مسرحا استراتيجيا لصراع النفوذ السياسي والمصير الإمبراطوري. ولا تزال آثار هذا التاريخ، التي جمعت في الأرشيفات، تثير اليوم تساؤلات حول استمرارية السلطة وحدودها المتقلبة، في ما وراء رمال الصحراء المتحركة.
