مسرح الشارع.. متعة ساكنة الدار البيضاء في أمسيات الصيف

عرض سابق لصندوق الفراجة

عرض سابق لصندوق الفراجة . DR

في 06/08/2024 على الساعة 13:30, تحديث بتاريخ 06/08/2024 على الساعة 13:30

تشهد ساحة الأمم المتحدة بمدينة الدارالبيضاء خلال فصل الصيف مجموعة من الأنشطة الفنية التي يقوم بها جملة من الفنانين الذين يقومون بمجموعة من العروض الفنية التي تُحقّق المتعة لساكنة المدينة وهم يُشاركون في عروض بسيطة من السيرك وأحياناً يتجرأ بعض المخرجين الشباب بإقامة عروض مسرحية أصيلة تمتح عوالمها الفكرية ممّا بات يُسمّى بـ«مسرح الشارع».

فكرة مسرح الشارع تنبني في أساسها على فكرة فلسفية، قبل أن تكون ترفيهية وذات ميسمٍ فني. ذلك إنّها تعني إخراج الفرجة المسرحية من السراديب المُغلقة التي تجعل العمل المسرحي سجيناً داخل قاعة وحكراً على شريحة معيّنة من المجتمع، صوب الخروج به إلى رحابة الفضاء العمومي، حيث تُتاح للناس إمكانية مشاهدته والاحتكاك معه. إنّ هذه الفلسفة التي تبدو راديكالية في تاريخ المسرح لم تبقَ أسيرة مفهوم الشكل، بل أثّرت حتّى على مضامين المسرحيات. وذلك عبر اللجوء إلى موضوعات سياسية وذات قوّة اجتماعية مؤثّرة في الناس وهم يُشاهدون المسرحيات ويتفاعلون معها بشكل تلقائي.

ورغم حساسية بعض المَشاهد من ناحية الأداء والاشتغال على بعض القضايا التي تُدخلها المجتمعات التقليدية ضمن « التابوهات » فإنّ ساكنة مدينة الدارالبيضاء أصبحوا يمتلكون مناعة كبيرة وقويّة ضد هذه الأفكار، لأنّ انفتاح العالم اليوم بفضل الصورة دفعهم إلى اعتبار ذلك عادياً، بحكم أنّ الأمر يتعلّق بتعبيرات فنية، قد لا يكون لها أحياناً أيّ أساس في الواقع. إنّ المثير للدهشة والاعتزاز أنّ أغلب هؤلاء الفنانين ليسوا « دخلاء » على المجال وإنّما فنانون محترفون يتوفّرون على شواهد أكاديمية في مهن المسرح والدراما، وإلى جانب دراستهم العليا يعملون على إقامة عروض مسرحية في الشارع بإنتاج ذاتي ومجهود شخصي ورغبة فنية تتقاطع مع رغبات أفرادٍ أ خرين يُشكّلون عبرها فرقاً مسرحية أصبحت معروفة وسط زوار ساحة الأمم المتحدّة.

رغم تدهور الجامعة المغربية وبؤس تكوينها العلمي في مجالات مرتبطة بالأدب والتاريخ والفلسفة وغيرها، تُحقّق شعب الدراسات المسرحية نجاحاً كبيراً، سيما أنّ بعض الكليات غدت معروفة في الوسط الفني بتكوينها الجادّ لمجموعة من الطلبة الذين يحصلون على جوائز مسرحية مُشرّفة وهم ما يزالون طلبة داخل المدرّجات. إنّ الوعي بقيمة مسرح الشارع لدى ساكنة المدينة أصبح كبيراً والدليل على ذلك حجم الناس الذين يتجمهرون خلال فصل الصيف حول العمل المسرحي وهم يصرخون ويضحكون ويحزنون وينتشون بأعمال مسرحية يشعرون أنّها قريبة من ذواتهم وعوالمهم وتفكيرهم وتُجيب بقوّة عن أسئلتهم المُؤرقة تجاه قضايا سياسية واجتماعية.

يحكي بعض الفنانين الذين يمارسون مسرح الشارع منذ سنوات طويلة، بأنّهم بعدما تخرّجوا من الجامعة وجدوا أنفسهم في مواجهة عشق الشارع والالتحام بالفضاءات العمومية، شعروا أنّ الناس أصبحت تُفضّل الشارع على القاعات التي لم يعُد أحداً يريد مشاهدة مسرح مغربي خارج مدارات الواقع. فهذا الالتحام المباشر يدفع الناس إلى الاستمتاع بالعمل الفني، بل وأحياناً المشاركة فيه عبر حوارات شخصية مع الممثلين لدرجةٍ يُصبح العمل المسرحي يُضمر عملاً مسرحياً آخر كتبه الجمهور. هكذا يتسرّب خيط الحكي ويتدفّق مثل شلال هادئ، حيث يصبح الممثل أمام الجمهور في وضعية امتحان صعب من أجل خلق نوع من الارتجال مع الجمهور ومحاولة ضبط إيقاعه تجاه العمل المسرحي.

سنوياً يصبح وسط المدينة بمثابة مختبر مسرحي مذهل يشارك فيه مجموعة من الفنانين الشباب القادمين من كليات مختلفة وأحياء متباينة يُبهرون الناس بأدائهم المسرحي وهم يُجسّدون أدواراً مختلفة تطغى عليها الكوميديا الساخرة من ذواتهم ومن المجتمع بصفة عامّة. ورغم مجانية هذه العروض المسرحية، فإنّ الفنانين لا يجدون أي تعبٍ في مواصلة عملهم المسرحي والقيام بتدريبات وهم يُدركون أنّ عملهم هذا لن يُذرّ عليهم أيّ ربحٍ مادي يُتيح لهم إمكانية مواصلة الدراسة والتعلّم.

تحرير من طرف أشرف الحساني
في 06/08/2024 على الساعة 13:30, تحديث بتاريخ 06/08/2024 على الساعة 13:30