وقد ناقش الباحث هذه الأطروحة أمام لجنة علمية، ضمّت الدكتور المهدي الفحصي بصفته رئيسا ومقررا، والدكتور محمد بنطلحة الدكالي مشرفا، و الدكتور حفيظ يونسي عضوا والدكتور عبد الرحيم العلام عضوا ومقررا والدكتور حمد منار باسك عضوا ومقررا.
وبعد مناقشة الأطروحة، قررت اللجنة منح الطالب الباحث درجة مشرف جدا مع التوصية بالنشر.
مناقشة أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في القانون العام والعلوم السياسية، تقدم بها الطالب الباحث محمد المهدي أهل ميارة، تحت إشراف الأستاذ محمد بنطلحة الدكالي، في موضوع: «القبيلة والسلطة وتدبير المجال الصحراوي، دراسة سوسيو أنثروبولوجية للتغير الاجتماعي في مجتمع الركيبات»
وأوضح الأستاذ المشرف أن هذا البحث هو إضافة علمية في دينامية المجال الصحراوي المغربي وفق آليات وبراديغمات تمتح من علم الاجتماع السياسي والأنثروبولوجيا، حاول من خلالها الباحث تبيان إسهام هذه القبيلة في التاريخ الاجتماعي والسياسي للمغرب قديما وحديثا.
إن هذا المجهود العلمي، يضيف الدكتور بنطلحة، يستعرض بالدراسة حقبة مهمة من تاريخ الكفاح من أجل وحدة المغرب واستقلاله، والتي أسهمت فيها قبيلة الركيبات منذ المقاومة الأولى الممتدة من 1905 إلى سنة 1934، ثم المقاومة الثانية التي دشنتها القبيلة بانخراطها في جيش التحرير بالجنوب المغربي استجابة لنداء الملك محمد الخامس في محطة أولى، ثم الدور الذي اضطلعت به في مسلسل البناء والتشييد إبان استرجاع الأقاليم الجنوبية من الاستعمار الإسباني.
وخلص الباحث إلى أن دراسة البنى القبلية -وبالتبعية دراسة المجتمعات التي تحتضن الظاهرة القبلية- أساسي كما أشار إلى ذلك جاك بيرك لاكتشاف المبدأ العام الذي تنتظم وفقه هذه التجمعات لاكتشاف القوانين الأساسية التي تتحكم في تنظيم المجتمع المغربي، وعلى هذا الأساس جاءت الدراسة لتجيب عن الإشكالات التي تحيط بمفهوم التغير الاجتماعي الذي ميزه تفكك القبيلة والانتقال من التدبير القبلي إلى التدبير الدولاتي حيث مارست الدولة الوطنية سيادتها على المجال محتفظة للبنيات التقليدية بأدوار وقد ظهر ذلك جليا في اعتماد الخيار الجهوي في أفق الحكم الذاتي الذي احتفظ للقبيلة بموقع متميز داخل هيكلته المقترحة.
ومن الاستنتاجات المتوصل إليها في البحث، نجد ما يلي:
- تقوت روابط المخزن بالقبيلة موضوع الدراسة بفعل العلاقة التي نسجها زعماؤها مع السلاطين، حيث فضل هؤلاء الشيوخ التحالف مع القصر مباشرة. ويتضح ذلك من خلال حرصهم على تجديد الروابط مع السلاطين عبر نظام البيعة الذي يحيل إلى البعد الديني الذي تجله القبائل، كما يحيل على الأصل الجينالوجي المشترك الممتد إلى النسب الشريف الذي تتقاسمه القبائل الصحراوية مع ملوك الدولة العلوية.
- شكلت الزيارات المتبادلة بين زعماء قبيلة الركيبات للملك محمد الخامس بالرباط وامحاميد الغزلان أحد وجوه هذه العلاقة منذ الاستقبال التاريخي لزعماء الركيبات برئاسة محمود ولد محمد ولد الخليل والقائد لحبيب ولد البلال والتي تقوت في عهد الملك الحسن الثاني باستقطاب زعماء تندوف الخمسة برئاسة حبوها ولد لعبيد، وقد شكل التحاق رئيس الجماعة الصحراوية ورئيس حزب الاتحاد الوطني الصحراوي المنتميان إلى قبيلة الركيبات خاتمة لهذه الجهود التي أظهرت دور القبيلة وحرصها على الوحدة الترابية للمغرب.
- لعب التحديث بأبعاده المختلفة دورا حاسما في انهيار النظام القبلي، غير أن القبيلة باعتبارها ظاهرة اجتماعية تاريخية مترسخة في أذهان الأفراد ومؤثرة في سلوكاتهم، ماتزال تتعايش عبر تمظهرات عديدة تطال المجالات المجتمعية كافة بما في ذلك السياسية منها.
- وظفت الدولة نظامين للوساطة، أحدهما تقليدي وآخر عصري؛ فإلى جانب الأعيان والزوايا والشيوخ نجد رجال السلطة والمنتخبين والإدارة المحلية لإدارة المجال بكيفية عقلانية. وترتب عن تدخل الدولة انحسار سلطة القبيلة من سلطة فاعلة ومؤثرة في المجال إلى عصبية منفعلة ومتأثرة وموجهة. فالقبيلة ماتزال حاضرة أيضا من خلال التوظيف السياسي الذي ينهجه أفرادها خلال المحطات الانتخابية.
- عوضت العائلة السياسية سلطة القبيلة، غير أنها حافظت على ميكانيزمات الاشتغال ذاتها التي كانت تطبع عمل القبيلة (سلطة متمحورة حول زعامة عائلية؛ تحالفات محصورة ضمن طبقة الأعيان وفي إطار المصاهرة؛ صراع وتنافس لا يخلو في بعض الأحيان من طابع عنيف خصوصا زمن الانتخابات).
على الرغم من أفول القبيلة، فإن توظيفها سياسيا ما يزال قائما بسبب غياب ثقافة الديمقراطية والتنشئة السياسية السليمة داخل المجتمع وفي داخل الأحزاب السياسية التي أصبحت تحالفاتها مع فئة الأعيان مجسدة لهيمنة القبلية السياسية.