تتميّز المباني المعمارية بالدارالبيضاء بخليط بصري عجيب يُظهر عمق هذه المدينة التي شكّلت منذ بدايات القرن العشرين مختبراً بصرياً للتجريب الفنّي. بحيث وجد فيها المُستعمر فضاءً آسراً لمعانقة الابداع والابتكار والبحث عن توليفات بصرية مذهلة لمعانقة السراب. يجد السياح في هذه البنايات هوية بصرية تضاعف من منسوب عشق الدارالبيضاء كواحدة من أهم المدن المغربية التي تمتلك تاريخها الخاصّ وتتوفّر على فضاءات شاسعة عمل من خلالها الاستعمار الفرنسي على اجتراح صورة معمارية يقلّ نظيرها في عددٍ من المدن الأخرى. إنّ السياحة في الدارالبيضاء ليس مجرّد ترفيه رغم ما تنطبع به الحياة اليوميّة من استهلاك، ولكنّها في أساسها عبارة عن سياحة تمتلك مقوّمات ثقافية بحكم الموروث التاريخي الذي تزخر به المدينة والذي يلعب دوراً أساسياً في جذب مزيد من السياح والعمل على بلورة أفق مشروع سياحي عالم، لا يُقدّم الترفيه والاستجمام للناس فقط، وإنّما يمنحهم دفئاً جمالياً كبيراً وهم يعبرون الشوارع والأزقة والممرات ويستنشقون رائحة التاريخ.
يتميّز شارع محمد الخامس بالدارالبيضاء في كونه مختبراً بصرياً لما أضحى يُسمّى في الأدبيات التاريخية بـ«آرت ديكو» هو نمطٌ بصري مذهل وجد فيه العديد من المهندسين أفقاً جمالياً يليق بالمدينة وذاكرتها لدرجة أصبح فيها هذا الشكل الفنّي بمثابة هوية بصرية لشوارع الدارالبيضاء في العالم، مُستغلاً بذلك العديد من مكوّنات الحضارة المغربية على شكل عناصر جمالية بها أضفى طابعاً من التميز والسحر على المدينة. وفيما بعد سيصبح آرت ديكو بمثابة هوية بصرية وعلامة معمارية تُميّز المدينة وتؤسس لسيرتها الجمالية في مخيال معظم سياح العالم. ويعتبر هذا السحر الفني الكامن في معمار الدارالبيضاء أحد أبرز العناصر الجمالية التي تُشجّع العديد من السياح على التردّد سنوياً على زيارة الدارالبيضاء والتجوّل لأيام طويلة بين ساحات ومقاهي ومعمار المدينة وهم ينسجون معها صداقة أبديّة قومها العشق والحلم.
ورغم اهتراء العديد من الأماكن ذات البعد السياحي، تعمل الجهة الوصية على هذا الشأن سنوياً على العناية بالمدينة وأحوالها وتدبير مرافقها العمومية وتجميل ساحاتها بعروض فنية وسهرات غنائية تضفي طابع الجدية على مدينة تُعرف في كونها تعيش يومياً صراعاً طبقياً بين الفقر المدقع والغنى الفاحش. تلعب المباني المعمارية دوراً مهماً في جذب السياح، ذلك إنّ الدارالبيضاء لا وجود لها بدون هذه الهوية الجمالية التي غدت معروفة بها في العالم. مجهود كبير رافق هذه المعالم السياحية من خلال عددٍ من الدراسات الفكرية والتاريخية التي أُنجزت حول المدينة وشوارعها ورصدت جمالياتها وتاريخها وذاكرتها وقدّمت صورة مميّزة عن المدينة وقيمتها من الجوانب الفنية.