هذا المؤلف، ووفق ما أكدته رئيسة المجلس، يعد تعبيراً واضحاً من المملكة المغربية عن استمرار التزامها بالمرجعية الكونية لحقوق الإنسان كخيار استراتيجي، رغم التحديات والانتكاسات التي يشهدها النظام الدولي في هذا المجال.
الكتاب الذي نُوقش خلال الجلسة، ووفق ما أكده مدير مديرية الدراسات والتوثيق بالمجلس محمد الهاشمي، هو ثمرة تفكير جماعي انطلق من المناظرة الدولية التي نظمها المجلس في دجنبر 2023، حول موضوع يسائل مرور 75 سنة على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. وتوزعت محاوره الخمسة بين مساءلة كونية حقوق الإنسان في سياقات متغيرة، وموقع إفريقيا في النظام الدولي لحقوق الإنسان من أجل حضور فاعل، وتقييم التزامات المغرب في هذا المجال، فضلاً عن تحديات القضايا الناشئة مثل التغير المناخي والرقمنة، وأخيراً دور ثقافة حقوق الإنسان في تعزيز القيم الحقوقية باعتبارها رافدا للنهوظ بقيم حقوق الإنسان.
الندوة التي يعد هذا المؤلف الجماعي ثمرة لأشغالها، كانت قد تميزت برسالة ملكية سامية، أكدت على مركزية هذا النقاش في الرؤية الحقوقية المغربية.
وفي مداخلتها، أبرزت آمنة بوعياش، أن قرار المجلس تنظيم تلك المناظرة الدولية كان نابعاً من وعي مبكر بصعوبة المرحلة، موضحة أنه «منذ نهاية 2021 بدأت تظهر عراقيل مستجدة أمام تفعيل حقوق الإنسان، والوضع اليوم أعمق وأخطر مما كنا نتصور».
ونبهت رئيسة المجلس قائلة: «نحن في مرحلة حرجة. إذا لم نقم بدورنا كمدافعين عن الحقوق، فإن المنظومة التي بنتها البشرية خلال عقود من التضحيات ستنهار أمام أعيننا»، خاصة في ظل تراجع أو حتى التفاف على الاتفاقيات الدولية. مسؤولة حقوق الإنسان بالمغرب ورئيسة تحالف عالمي لمؤسسات حقوق الإنسان، ذكرت أن تخفيض ميزانية العمل من أجل الحقوق بالأمم المتحدة بنسبة 40% مقارنة بسنة 2022، يُعد مؤشراً واضحاً على تهميش هذه المرجعية وتراجع تأثيرها في صنع القرار الدولي.
ونبهت بوعياش إلى أننا اليوم «على مشارف مرحلة صعبة للمدافعين على حقوق الإنسان خصوصا الدول التي عملت واستثمرت جهدا كبيرا في مسار حقوق الإنسان».
وفي السياق ذاته، نبهت الروائية والناشطة الكاميرونية دجايلي أمادو أمل إلى أن التحدي الثقافي ما زال يشكل العقبة الأبرز أمام تحقيق المساواة، وخاصة في ما يخص وضعية النساء في دول الساحل. واستعرضت مثالاً مؤلماً من الكاميرون لرجل قتل زوجته أمام الملأ ولم يُعاقب إلا بخمس سنوات حبسا موقوف التنفيذ، ما أثار جدلاً واسعاً حول فعالية المنظومة القانونية أمام واقع اجتماعي وثقافي، قائلة إنه يكرس العنف ضد المرأة.
وأضافت دجايلي أمادو: «المرأة انتظرت طويلاً. التغيير لا يمكن أن يحدث من دون الثقافة. لدينا قوانين، لكن على الأرض، المرأة تبقى الضحية الأولى».
من جانبه، اعتبر الباحث محمد بنموسى أن المؤلف يُمثل محاولة جادة لإعادة التفكير في مآلات الجهود الدولية لحماية الحقوق والحريات، خاصة في ظل اتساع الفجوة بين المبادئ المُعلنة لفكرة الكرامة الإنسانية وصعوبة تجسيدها على أرض الواقع.
وخُتمت الندوة برسالة واضحة، تؤكد أن المغرب، من خلال مؤسساته، لا يزال وفياً لقيم حقوق الإنسان والتضامن، وأنه يدعو لتمكين دول الجنوب من لعب دور فعال في مواجهة التحديات المتزايدة، في عالم باتت فيه ازدواجية المعايير تهدد جوهر الكونية التي تأسس عليها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.




