فيضانات آسفي: شهادة إدريس بنهيمة.. ابن المدينة القديمة المنكوبة

إدريس بنهيمة

في 16/12/2025 على الساعة 07:00

37 قتيلا، مدينة مدمرة، وخسائر مادية فادحة: عاشت آسفي يوم الأحد 14 دجنبر واحدة من أكثر الأحداث مأساوية في تاريخها الحديث. فقد اجتاحت مياه الأمطار المدينة القديمة، حيث يمتزج التاريخ والذاكرة والحياة اليومية. بالنسبة لإدريس بنهيمة، ابن الحي المتضرر، والوزير السابق، ورئيس جمعية حوض آسفي، تكشف هذه المأساة عن بروز ظواهر مناخية جديدة يتعين على المدن من الآن فصاعدا التكيف معها. وأكد أن جزءً من تراث إحدى أقدم مدن المملكة قد غمرته المياه.

يقع منزل عائلة بنهيمة في درب القوس، بجوار المسجد الأعظم، في قلب المنطقة التي شهدت الفيضانات. هذا الحي التاريخي، والمنكوب اليوم، يرتبط ارتباطا وثيقا بتاريخ عائلة من كبار مسؤولي الدولة.

ينتمي إدريس بنهيمة إلى سلالة تركت بصمتها على الإدارة المغربية: محمد بنهيمة، وزير أول سابق، وأحمد الطيبي بنهيمة، وزير الخارجية سابق، وغالي بنهيمة، سفير، وإدريس بنهيمة نفسه، الذي شغل منصب وزير الطاقة والمدير العام السابق للخطوط الملكية المغربية. تجدر عائلي عميق وعلاقة وطيدة بمدينة آسفي يضفيان على شهادته صدى خاصا.

بصفته رئيسا لجمعية حوض آسفي وعارفا بخبايا المدينة، تابع إدريس بنهيمة هذه المأساة بعاطفة جياشة، ولكن أيضا من منظور المهندس والمسؤول الحكومي السابق. بالنسبة له، تعد فيضانات آسفي ظاهرة مناخية نادرة، بل وغير مسبوقة.

«إننا أمام ظاهرة محلية للغاية. على عكس فيضانات المحمدية في نونبر 2003، حيث تدفقت المياه من حوض وادي المالح، تركزت الأمطار هنا في منطقة صغيرة جدا»، بحسب ما أوضحه بنهيمة مستندا إلى صور للمنطقة التي هطلت فيها الأمطار.

من وجهة نظر هيدرولوجية، أكد أن بناء سد على واد الشعبة لم يكن ليمنع وقوع الكارثة. وقال: «إنها ظاهرة فريدة».

وبمقارنة هذه الفيضانات بفيضانات نونبر 2003 في المحمدية، التي أدت إلى الحريق الهائل في مصفاة لاسمير، أشار إدريس بنهيمة إلى أن أسباب تلك الفيضانات كانت مرتبطة بشكل واضح بالنشاط البشري. وأوضح قائلا: «في المحمدية، تقلص المصب الطبيعي لدلتا وادي المالح بشكل كبير بسبب التوسع العمراني المفرط. وانخفضت مساحة المصب المتبقية من مئات الهكتارات إلى 180 هكتارا فقط. عندما وصلت المياه، لم يعد بإمكانها التدفق نحو البحر. فارتدت عبر المجاري، متسببة في الفيضانات ثم حريق المصفاة».

وفي آسفي، لا تزال مسألة مصارف المياه مطروحة. وبهذا الخصوص أكد قائلا: «هل ينبغي تصميم مصارف مياه أكبر بحيث إذا عادت المياه، تتدفق نحو البحر دون دخول المدينة القديمة؟ هذه نقطة تستحق الدراسة»، غير أنه أبدى شكا بخصوص فعالية البنيات التحتية الكبرى في مواجهة مثل هذه الظاهرة المركزة.

وتجدر الإشارة إلى أن الوكيل العام للملك لدى محكمة آسفي قد فتح تحقيقا لكشف ملابسات المأساة.

تحول الشارع الرئيسي للمدينة القديمة إلى مجرى الوادي

أهم الأضرار مست المدينة القديمة، القلب التاريخي والتجاري لمدينة آسفي. وأشار بنهيمة إلى أن «مسجد باب لعظم الكبير غمرته المياه، لكن المئذنة لم تتضرر، فهي تبعد 50 مترا عن المبنى الرئيسي». هذه المئذنة هي لمسجد موحدي سابق حوله البرتغاليون إلى برج أجراس كنيسة. وأوضح أنه بعد الفتح الإسلامي، تم الحفاظ على المئذنة بينما أُعيد بناء المسجد على الشارع التجاري الرئيسي. وهذا الشريان الرئيسي تحديدا هو الذي تحول إلى مجرى الوادي أثناء العاصفة. وتحسر إدريس بنهيمة قائلا: «دمرت جميع المحلات». فقد تضررت محلات المجوهرات والقيساريات ومحلات الصناعة التقليدية، بما في ذلك محل الخزف الذي يوجد في ملكية المعلم مولاي أحمد سرغيني، أحد أبرز رموز صناعة الخزف في آسفي. وأضاف إدريس بنهيمة: «هناك قيسارية، حيث يوجد محل تجاري كان يملكه جدي. دمرت هي الأخرى».

ووفقا له، كان معظم الضحايا في متاجر لجأ إليها بعض الناس، وحاصرتهم المياه بسبب ارتفاع منسوبها المفاجئ. وتدفقت المياه في الشارع الرئيسي للمدينة القديمة وصولا إلى ساحة ضريح سيدي بوذهب. وأفاد بأن نادي جنان الفسيان للتنس قد دمر بالكامل.

وأكد بنهيمة في شهادته قائلا: «خلال سبعين عاما، لم أسمع قط بفيضانات بهذا الحجم في آسفي». ويرى أن المثير في هذه الكارثة يكمن تحديدا في تمركزها في منطقة صغيرها وفجائيتها، وهما سمتان بارزتان للتغيرات المناخية الحالية. ورفض فكرة وجود خلل كبير في البنيات التحتية الحضرية، قائلا: «البنيات التحتية معدة لمواجهة المخاطر المناخية التي واجهها المغرب. هذا النوع من الكوارث كان أمرا لا يمكن تصوره قبل بضع سنوات».

وأشار خبراء الأرصاد الجوية أيضا إلى الجبهة المدارية المتحركة لتفسير بعض الأحوال الجوية التي شهدتها المغرب مؤخرا، لا سيما في جنوب البلاد (طاطا). وقال بنهيمة: «هذه ظواهر جديدة، مرتبطة بتغير المناخ، وسيتعين علينا التكيف معها». وأكد على ضرورة التمييز بين الفيضانات الناجمة عن النشاط البشري وتلك الناجمة عن الظواهر المناخية المستجدة. وأضاف قائلا: «القول إن الإدارة لم تتوقع هذا الأمر فيه شيء من التجني. لم نتوقع هذا النوع من الظواهر لأنه لم يكن موجودا من قبل»، مشيدا في الوقت نفسه بسرعة وفعالية تدخل السلطات العمومية، والتي لاقت استحسانا واسعا من الساكنة. وبالموازاة مع ذلك، ستعقد جمعية حوض آسفي، برئاسة إدريس بنهيمة، اجتماعا يوم الأربعاء في آسفي لمناقشة سبل تقديم المساعدة للضحايا.

وأكد بنهيمة، في ختام شهادته، أن هذه المأساة تشكل قطيعة في آسفي. وقال: «هذه هي المرة الأولى التي نشهد فيها ظواهر من هذا النوع. علينا أن نستخلص العبر من هذه التجربة، دون البحث عن مذنبين بشكل متسرع، بل بالتكيف مع واقع مناخي جديد».

تحرير من طرف وديع المودن
في 16/12/2025 على الساعة 07:00