وكشفت عمليات تفتيش محلات الأشخاص من حجز 15 طن و160 كيلوغرام من اللحوم، التي أكدت التحليلات المخبرية للمكتب الجهوي الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية بنطجة، أنها لحوم غير صالحة للاستهلاك وتشكل خطرا محدقا بصحة وسلامة المستهلك.
ويبدو بعض من هؤلاء الأشخاص كانوا يخصصون قسطا من المداخيل والأرباح المترتبة عن هذه التجارة لتمويل التحاقهم بمعسكرات ما يسمى بـ"الدولة الإسلامية" بالساحة السورية – العراقية.
شركات ترويج اللحوم الفاسدة
واعترف عبد السلام بنعلال وابنه طارق مالكان لشركة "السعدانية"، في الحي الصناعي بالعرائش، والمتخصصة في تربية الدواجن وتوزيع اللحوم البيضاء ومشتقاتها، أنهم يقومون بتحضير اللحوم المفرومة من بقايا الدواجن ومخلفاتها تباع بثمن 12 و13 درهم للكيلوغرام الواحد وأنهم كانوا يبيعون منتجاتهم لبائع نصف الجملة بطنجة هو الآخر سلفي جهادي، توبع سابقا في قضايا الإرهاب يدعى سعيد الأزهري.
وكانت الشركة المذكورة تؤمن توزيع منتجاتها من لحوم الدجاج والديك الرومي ومشتقاتها لزبنائها من بينهم مؤسسات عمومية، من بينها مجموعة من السجون، بواد لاو وأصيلة والعرائش والقصر الكبير، بالإضافة إلى مطاعم المؤسسات التعليمية من خلال شركة تتولى التوزيع باسم "نساتميد"، حيث وزعوا منتجاتهم بثانويات من بينها مؤسسة "زينب" و"مولاي الحسن" و"المحمدية" و"محمد بنعبد الله" واعدادية "عبد الكريم الخطابي" و"دار الطالبة" بمدينة العرائش، وثانوية "واد الذهب" بأصيلة ومؤسسة "النهضة" بالقصر الكبير.
وتمكنت الشركة أيضا من تزويد مؤسسات تجارية كبرى، بما فيها "مرجان" العرائش لسنتين، وزودت مطعم "كنتاكي" بالدجاج المثلج وشرائح الدجاج في طنجة لسنة ونصف.
في سلا، كان السلفي الجهادي رشيد الباي صاحب شركة "رشيد فود"، التي يوجد مقرها بالعيايدة بسلا، ينشط في سرية تامة وهذا منذ العام 2005، في تمويل المؤسسات والمحلات "بكفتة الدجاج" المعدة في شروط لا تستجيب للسلامة الغدائية في مقر سكناه بسلا، حيث كان يعمد إلى مزج مخلفات وبقايا الدجاج مع شحم العجول، وعجنها مع التوابل القوية للحفاظ على لون ورائحة المنتوج، قبل أن يوزعها على الباعة الجائلين أو أصحاب محلات الأكل بسلا وطنجة، ضمنهم رفيقه في الفكر السلفي الجهادي سعيد الأزهري في طنجة، حيث كان يروج سلعته بأثمنة تتراوح بين 20 و30 درهما للكيلوغرام الواحد.
وأمام ازدهار تجارته وارتفاع مداخيله، أصبح المعني بالأمر مرتبطا بشركة "أفلوس" المتخصصة في الصناعة الغدائية للطيور، وصار يتزود منها كل اثنين وأربعاء وجمعة بكميات تتراوح بين 2 و3 أطنان من كفتة الدجاج بـ11 درهما للكيلوغرام الواحد، يروجها بـ15 درهما لشبكة وبنائه بعد مزجها بالتوابل القوية.
مع مطلع العام 2006، صار المعني بالأمر مزودا لبعض مؤسسات القطاع العام بشرائح الديك الرومي وأفخاد الدجاج. في بوقنادل تمكن رشيد الباي من تزويد أسواق الثكنة العسكرية ومعسكر التخييم الصيفي والمدرسة الغابوية وثانوية "سلمان الفارسي"، بسلا ومدرستين ابتدائيتين بجماعة العرجات والنادي الرياضي بدوار روحين.
وكان رشيد الباري يحصل على هذه المواد من مصنع شركة "الكتبية" بالمحمدية و"أفلوس" بأكادير، حيث أكد خلال التحقيقات بأنه لا يكن يجري عليها أية تعديلات ويبقيها في تعبئتها الأصلية، مكتفيا بلعب دور الوساطة مع هامش ربح يتراوح بين 2 و3 دراهم للكيلوغرام الواحد.
يعتبر أنور فايد الرأس المدبر لتجارة اللحوم الفاسدة في طنجة، حيث يتوفر على مستودع للتخزين والتوزيع (نصف الجملة) ومحل للأكل يروج فيه المنتوج الغدائي الفاسد، والذي تحصل عليه سنة 2013 من شركة "السعدانية" بدلا عن مزوديه السابقين سعيد الأزهري وأنور الزهري المبحوث عنه حاليا لتواجده في جبهة القتال بسوريا والعراق.
أنور فايد يتزعم شكبة لباعة الأكل الجائلين من السلفييت الجهاديين، تتضمن كل من جمال لعروسي وياسين الزوايني المعتقلين، إلى جانب شريكه حميد بوشيبي المبحوث عنه منذ الأحداث، التي شهدها أرض الدولة بطنجة في أكتوبر 2012.
هكذا تورط موظفو المراقبة الصحية في هذا الملف
خضع مقر شركة "السعدانية" بالمنطقة الصناعية للعرائش ومن انطلاق نشاطه في ماي 2012، لمراقبة يومية من طرف موظفين تابعين للمكتب الوطني للسلامة الغدائية والمنتوجات وهما طبيبان بيطريان، تمتعا بصلاحية منح شهادة الصحة الخاصة بالطيور ومشتقاتها الموجهة للمؤسسات العمومية والخاصة، بالإضافة إلى مراقبة جودة اللحوم وطريقة إنتاجها.
وكشفت التحريات في هذ الملف أن المواظفين المذكورين طالبوا برشو شهرية في سنة 2013 من عبد السلام بن علال قدرت في مبلغ4000 درهم، من أجل غض النظر من العديد من الاختلالات المرتبطة بشروط السلامة المرتبطة بتخزين المنتوج الغدائي. الأخير اكتفى بتسليمهم مبلغ 3000 درهم شهريا بالإضافة إلى تسلمهم أسبوعيا منتوجات من عمال الشركة بطريقة سرية.
وعمد الموظفان المذكوران أيضا إلى إتلاف المنتوجات التي لا تحترم الشروط الصحية داخل مقر شركة عبد السلام بن علال، دون إدراج المخالفات في محاضر ودون أخذ عينات للتحليل لإجراء خبرة عليها.
في هذا الإطار اعترف خالد عبد العزيز، المساهم في الشركة بنسبة تصل إلى 10 في المائة والمكلف بمراقبة جودة المنتوجات الغدائية، بكون عبد السلام بن علال كان يقدم رشوة شهرية للموظفين بقيمة 3000 درهم مقابل شراء صمتهما.
مع العلم بأن المديرية الجهوية للمكتب الوطني للسلامة الغدائية والمنتوجات الغدائية، قررت في 4 شتنبر، وعلى خلفية زيارة مفاجئة تمت يومين قبل ذلك، لمقر شركة "السعدانية"، خلصت إلى عدم احترام المعايير الجاري بها العمل، تعليق كل نشاط مرتبط بذبح وإعداد لحوم الطيور بالشركة لمدة لا تقل عن ستة أشهر، تحت طائلة المنع النهائي في حال عدم إصلاح المخالفات المشار إليها.
ارتباطات إرهابية وجهادية
علاوة على تورطهم في تجارة لحوم الطيور الفاسدة، أثبتت التحريات بأن الأرباح المتحصل عليها من هذا النشاط المشبوه، كانت تستعمل في تمويل سفر المرشحين للجهاد إلى سوريا والعراق بالإضافة إلى المساعدة المادية لعائلات هؤلاء المنتقلين للقتال في الشرق الأوسط، فرشيد الباي المذكور سابقا والمرتبط بلقااءت داخل الأوساط الإسلامية "الجهادية" في سلا، عزز علاقته انطلاقا من العام 2012 مع المسمى يوسف الماضي "أبو إسحاق" المالك السابق لمحل للأكل بحي الواد والمبحوث عنه حاليا، حيث كان يزوده بانتظام بكفتة الدجاج قبل رحيله إلى سوريا، جيث انخرط في جبهة النصرة.
من جانبه، استقر المعتقل السلفي السابق سعيد الأزهري بطنجة وهو المفرج عنه في 26 مارس 2013 بعد قضاء مدته الحبسية من سنتين في ملف الانتحاري عبد الفتاح الرايدي منفذ عملية مقهى الأنترنيت في 2007 بالدرالبيضاء، كما شارك أنور الزهري في تجارة لحوم الطيور غير صالحة للاستهلاك الآدامي.
وقبل سفره إلى منطقة سوريا العراق مستفيدا من الأرباح التي راكمها من تجارته، وتوصل أنور الزهري من شريكه سعيد الأزهري بمبلغ 15 ألف درهم، مع مطالبته بفك حصته من الشراكة لفائدة أخيه فريد الزهري.
ياسين الزوايني المعتقل بدوره في ملف تجارة اللحوم الفاسدة والموقوف في طنجة، تم استقطابه سنة 2012 من طرف شبكة تعتنق الفكر الجهادي، يتزعمها ربه في العمل أنور فايد وشريكه حميد يوشيبي، المبحوث عنه في إطار أحداث أكتوبر 2012 بحي أرض الدولة بطنجة، وكانا يتحدثانه باستمرار عن طبيعة القتال في سوريا والعراق مع تجميد أعمال تنظيم الدولة الإسلامية وإظهار تعاطف كبير معها.
جمال لعروسي الذي كان يستعد للسفر من أجل القتال في سوريا والموقوف في طنجة، كان يعتزم الالتحاق بجبهات القتال سنة 2013 بمعية عبد العالي غدان المعروف بـ"أبو آدام" المقاتل ومستقطب المرشحين لفائدة "داعش" المبحوث عنه حاليا، قبل أن يعدل عن السفر لأسباب عائلية. رغم ذلك فقد ظل المعني بالأمر متشبثا بالفكر المتطرف ومبايعا "داعش".
مالك شركة "السعدانية" عبد السلام بن علال المعتقل في العرائش، كان من جهته مرتبطا بمقاتلي الدولة الإسلامية وعلى رأسهم عمر بن حمدان المبحوث عنه عبر لقاءاته المتكررة به وتحديدا في مقر جمعية "الأمل"، التي تتخذ مقرا لها بنادي القنص بطنجة.
يذكر أن كل المعتقلين الواردة أسماؤهم في هذا الملف، إضافة إلى موظفي مكتب حفظ الصحة الطبيبان البيطريان وخالد عبد العزيز قدموا للعدالة في 14 شتنبر الجاري من طرف المكتب المركزي للتحقيقات القضائية، حيث تم إيداعهم سجن سلا 2.