بعدما فككت عناصر الشرطة القضائية لغز الجريمة «البشعة»، التي راح ضحيتها زوج الفنانة الشابة ريم فكري، كشفت التحقيقات أن المتهم الرئيسي، ليس سوى (ر.أ) الملقب بـ«التوربو»، واحد من أشهر وأخطر بارون مخدرات بفرنسا.
هذا الشخص، المحكوم غيابيا بـ21 سنة سجنا، لارتكابه جريمة شبيهة بتلك التي راح ضحيتها زوج الفنانة، بدأ «مشواره الإجرامي» في سن الطفولة.
من يكون «التوربو»؟
وفق المعلومات التي حصل عليها Le360 من مصادر موثوقة، فقد ولد (ر.أ) في 17 من يونيو عام 1982، بفرنسا، من أبوين مغربيين، ويعتبر الابن الرابع من خمسة أبناء، يحمل الجنسيتين الفرنسية والمغربية، يعمل مقاولا ومستثمرا في مجال العقارات، وهو متزوج وأب لـ5 أبناء، كان يعيش بين فرنسا والمغرب والإمارات.
عاش (ر.أ)، البالغ 42 عاما، طفولته في حي كودراي بمدينة بواسي الفرنسية، حيث كان والده عاملاً في أحد مصانع السيارات.
حصل على شهادة الباكالوريا سنة 2001، وبعد انقطاعه عن الدراسة بدأ يشتغل في تجارة الملابس حيث كان يجلب البضائع من البرتغال ويعيد بيعها بفرنسا لكنه لم يكن يتوفر على رخصة لذلك ويشتغل بطريقة سرية، وبعدها أصبح يتاجر في السيارات المستعملة، ثم المجوهرات والساعات الفاخرة بشكل غير قانوني.
خلال سنة 2003، أنشأ شركة خاصة به، وبقي بالموازاة مع ذلك يزاول تجارة الأشياء الثمينة، من ساعات وحلي نسائية.
وخلال سنة 2007، قدم إلى المغرب واستقر به بصفة نهائية، بعد تورطه في مشاكل بفرنسا (مقتل ابراهيم حجاجي).
في البداية، اكترى شقة بمنطقة المعاريف بمبلغ 11 الف درهم شهريا، وبعد حوالي سنة واحدة، اقتنى شقة للسكن بشارع 02 مارس بالدار البيضاء، مقابل مبلغ 150 مليون سنتيم أدى ثمنها دفعة واحدة. وفي السنة نفسها تزوج من مواطنة فرنسية من أصل مغربي (د م ع).
استقر بالمغرب إلى غاية سنة 2017 حيث هاجر رفقة زوجته وأبنائه إلى الإمارات العربية المتحدة ليستقر ويشتغل هناك، وأثناء عودته إلى المغرب تم ايقافه بتاريخ 21 دجنبر 2020 نتيجة استعماله جواز سفر فرنسي يحمل صورته الفوتوغرافية وهوية «كريم رمضان الشركي».
كشفت صحف فرنسية بأن (ر أ) ظهر لأول مرة في أرشيف الشرطة الفرنسية عندما كان عمره 13عاما، للاشتباه في تورطه في اندلاع حريق، ثم بسبب السرقة والعنف والتهديد والابتزاز ورفض الامتثال. ويتضمن سجله الجنائي 6 إدانات لا تتعلق أي منها بالمخدرات. فلماذا تلقبه الصحف الفرنسية ببارون المخدرات؟.
ووفق ما ذكرته صحيفة لوباريزيان الفرنسية، فقد تصدر اسم الفرنسي المغربي (ر أ) قائمة تجار المخدرات المطلوبين في فرنسا.
اختطاف وتعذيب وقتل
أعادت جريمة خطف وتعذيب وقتل زوج الفنانة ريم فكري إلى الأذهان، جريمة القتل التي أصدرت على إثرها محكمة فرساي الفرنسية حكما بالسجن لـ21 عاما في حق (ر أ)، حيث تمت بالطريقة نفسها مع اختلاف بسيط في طريقة التخلص من الجثمان. وهي القضية ذاتها التي تمت تبرئته منها من قبل المحكمة الابتدائية الزجرية عين السبع بالدار البيضاء.
في يونيو من سنة 2007، ارتكب أحد أتباع (ر أ) «خطأ لا يغتفر» في قوانين «التوربو»، حيث تسبب في ضياع كمية مهمة من مخدر الشيرا تقدر بحوالي 600 كيلوغراما، هذا الخطأ كانت عقوبته التعذيب والقتل لأن المسمى (ر أ) اعتبرها خيانة وأن الضحية المسمى قيد حياته (ا ح) قام بسرقته وفي قوانين تجار المخدرات إما أن ترجع قيمة السلع التي ضاعت منك أو تقتل.
ووفق ما أكدته مصادر قضائية اطلعت على الملف لـLe360، ففي 25 يونيو 2007، تقدم شخص يدعى (م ك) إلى مصلحة الشرطة بمدينة بواسي بفرنسا ليبلغ عن اختفاء صديقه (ابراهيم ح) موضحا أن هذا الأخير كان قد أخبره يوما قبل اختفائه في 17 يونيو 2007 أنه مشوش الذهن لأنه كان سببا في ضياع كمية من مخدر الشيرا تعود ملكيتها لـ(رضا أ).
بعد ذلك، تم وضع شكاية رسمية بشأن اختفاء المسمى ابراهيم حجاجي من طرف والديه أفادا خلالها أن نجليهما أخبر صديقه قبل اختفائه أنه ذاهب للقاء (ر أ) وباقي المتورطين في القضية، لتقرر السلطات الفرنسية تحريك البحث وفتح تحقيق.
وبعد 4 سنوات من البحث، تسبب خلاف بين «التوربو» وأحد تجار المخدرات جزائري الأصل يدعى (بلال ج) في قلب موازين القضية، حيث اعترف هذا الأخير في يناير 2010 أنه كان، بتاريخ 17 يونيو 2007 (يوم اختفاء حجاجي)، يتواجد بغابة لاكودري لإخراج كمية من مخدر الشيرا كان يخفيها بها، فشاهد سيارة رمادية اللون على متنها الضحية والمتهم الرئيسي «التوربو» و 2 من شركائه، قاموا بضرب الضحية وتعذيبه قبل تصفيته بالرصاص ودفنه بالغابة المذكورة.
الشاهد الرئيسي في القضية، اعترف أمام قاضي التحقيق أنه، وبعد انصراف الأشخاص المذكورين، عمد هو إلى إخراج الجثة وأعاد دفنها في مكان آخر داخل الغابة، في محاولة منه لابتزاز «التوربو» والاستفادة من مبالغ مالية، لكن هذا الأخير ووفق تصريحه حاول قتله وأطلق عليه النار في مناسبتين.
وبإرشاد من المسمى بلال، تمكنت الشرطة الفرنسية من العثور على جثة مدفونة داخل غابة لاكودري بمدينة بواسي أثبت التحليل الجيني عليها أنها للضحية ابراهيم حجاجي، وتحمل آثار ثلاث طلقات نارية بمسدس من عيار 7.65 ملم.
13 سنة من الفرار
بعد 13 سنة من الفرار، أوقفت عناصر الأمن بمطار محمد الخامس الدولي المسمى (ر أ)، أواخر دجنبر2020 بتهم استعمال وثائق هوية مزورة باسم «كريم رمضان الشركي»، وهو شخص حقيقي ما يزال على قيد الحياة.
وتم تقديمه أمام أنظار النيابة العامة بالمحكمة الابتدائية عين السبع بالدار البيضاء من أجل جنح التزوير في وثائق إدارية واستعمالها وانتحال اسم.
وبعد الاستماع إليه، اعترف أبا كريم بأنه لجأ إلى هوية مزورة حماية لحياته حيث تلقى تهديدات من عائلة حجاجي بتصفيته وليس فرارا من العدالة كما تم نشره.
وأكد المشتبه فيه الرئيسي في مقتل زوج فكري أنه، في سنة 2007 وإثر جريمة قتل تعرض لها المسمى ابراهيم حجاجي، تلقى تهديدات من طرف أفراد أسرة هذا الأخير، معتقدين أنه من كان وراء قتله ففر إلى المغرب باستعمال جواز سفره الفرنسي واستقر بالمغرب إلى غاية سنة 2014 إذ أنه عاد إلى فرنسا بغاية الحصول على جواز سفر جديد لقرب انتهاء صلاحية جواز سفره، وبعد أن تعذر عليه تجديد جواز السفر وبمساعدة صديق له استطاع الحصول على جواز سفر فرنسي بهوية كريم رمضان الشركي والتي تبقى غير هويته الحقيقة وذلك بالاعتماد على رسم ولادة بالهوية المذكورة ثم استعمل جواز السفر بالهوية الجديدة للعودة إلى المغرب والاستقرار به إلى غاية سنة 2017 ليغادر في اتجاه الإمارات العربية المتحدة.
ونفى المتهم علاقته بتجارة المخدرات أو جريمة القتل التي أدين من أجلها، مؤكدا تشبثه ببرائته.
البراءة
بعد حوالي 6 جلسات، قضت غرفة الجنايات الابتدائية بالمحكمة الزجرية عين السبع، في 18 أبريل من سنة 2023، بعدم مؤاخذة المتهم من أجل ما نسب إليه والحكم ببراءته مع تحميل الخزينة العامة الصائر. وذلك لانعدام وسائل الإثبات وانتفاء العناصر التكوينية للجرائم المتابع من أجلها المتهم، وكذا غياب أي دليل يقيني يفيد ارتكابه للأفعال المنسوبة إليه مما يتعين معه الإبقاء على حكم الأصل الذي هو البراءة.
قال محامي المطالب بالحق المدني في قضية مقتل حجاجي، محمد أغناج، في تصريح لـLe360، بعد التأكد من هويته، تمت إحالته على قاضي التحقيق في مارس 2021، وواصل قاضي التحقيق، التحقيق في القضية قرابة العام. وفي فبراير 2022، قرر إحالة الملف على أمام غرفة الجنايات.
وأوضح المحامي أن طوال هذه المدة، أي منذ اعتقاله في دجنبر 2020 وإلى غاية صدور الحكم في أبريل 2023، كان رضى أبا كريم معتقلا احتياطيا، ولم يغادر أسوار السجن إلا بعد صدور حكم بتبرأته.
وتابع المحامي: «عندما دخلنا على خط القضية، علمنا أن رضا أبا كريم قام بتقديم شهود لتأكيد براءته، ومن بين هؤلاء الشهود شريكه (محمد) وهو الآخر محكوم غيابيا من قبل القضاء الفرنسي بـ20 سنة وهو أيضا هارب للمغرب ومع ذلك مثل أمام قاضي التحقيق كشاهد في الوقت الذي يفترض أن يكون هو الآخر متابعا في الجريمة نفسها».
وأكد دفاع عائلة الضحية الراحل ابراهيم حجاجي أن «المتهم تمت تبرئته ابتدائيا في أبريل 2023، لعدم وجود أدلة، ولكن الملف مازال أمام المحكمة، بغرفة الجنايات الاستئنافية، مشيرا إلى أنه لم يكن يحضر للجلسات ولكن بما أنه معتقل سيتم احضاره ويمكن أن تعرف القضية منحى آخر».
وبالفعل، فقد تغيب المتهم رضا أبا كريم عن حضور جلسات محاكمته الاستئنافية لأزيد من 8 جلسات، وحددت غرفة الجنايات الاستئنافية الاثنين المقبل تاريخا لجلسة جديدة.
«التوربو» يعود إلى السجن
أوقفت عناصر المصلحة الولائية للشرطة القضائية بمدينة الدار البيضاء، الأربعاء 14 فبراير، (ر أ)، هذه المرة ليس بسبب مقتل حجاجي أو التزوير، بل للاشتباه في ضلوعه في قضية اختطاف واحتجاز وتعذيب وقتل زوج المغنية المغربية ريم فكري. قبل التنكيل بجثته وإخفاء معالم الجريمة
وأحالت المصلحة الولائية للشرطة القضائية بالبيضاء، ظهر الجمعة 16 فبراير 2024، على الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف، المتهم الرئيسي الملقب بـ«التوربو» و5 من شركائه، كل حسب المنسوب إليه، في جرائم انتهت باختطاف وتصفية زوج الفنانة والتمثيل بجثته بعد تقطيعها ورمي أشلائها في مجرى نهر ضواحي الرباط.