مدينة تعتقد، ساعات قليلة قبل العيد، أنها أصيبت بالوباء... السيارات تختفي من الطرقات كأن مغناطيسا جذبها إلى المجهول... والمحلات التجارية تُغلق أبوابها، تماما كما في إضرابات سنة 1981.. وهدوء وتوجس وسكان قليلون تائهون بين حمل خروف أو شحذ سكاكين، استعدادا لمعركة دموية على الأبواب.
إنها "هوية" مدينة تشبه سفينة تيتانيك العجيبة، فكل السكان يغادرونها خوفا من الغرق، ومحطة أولاد زيان للحافلات وحدها تعج بالهاربين قبل نفاذ التذاكر وغرق المدينة.
إذا لم تعاين مدينة البيضاء خاوية من سكانها، فإنك لن تحبها أبدا، هي مدينة جميلة، وشوارعها واسعة وبناياتها شاهقة تثير الإعجاب، وكورنيشها ساحري يبهرك، سيما حين يقذف البحر برذاذه فيغسل عنك هموم الحياة.
هي مدينة (يوم العيد فقط)، تجعلك تتيه في الزمان، لا سباق يومي بين السيارات والدراجات النارية، ولا شجار حول كرسي في حافلة، ولا حادثة سير بسيطة تكشف عن "عصبية" تتحول إلى سب وقذف ولعن الأعراض.. إنها بيضاء مثل ثلج ناصع يكشف عن جاذبيته ورحيمة مثل ملاك يوزع الابتسامات على الصامدين في قلعة البيضاء... مدينة عذبة، لكن جمالها وهمي لا يدوم إلا أياما قليلة حين يتقين الجميع أن تيتانيك لن تغرق أبدا.