في البداية كانت حافلات مهترئة مكانها الطبيعي مزبلة مديونة، ثم اقتنيت حافلات "نص نص" من فرنسا، فظن السكان أن النقل العمومي في العاصمة الاقتصادية ربما تصيبه عدوى مدينة باريس، خصوصا حين عاينوا الحافلات الجديدة بها كاميرات تقيهم خفة أيادي اللصوص، وأزرارا كثيرة تسمح لهم بالتوقف في كل محطة، دون الصراخ في وجه السائق، ثم سرعان ما اختفت تلك الأجهزة بعدما ترصد لها الأشباح.
في البيضاء أيضا، ولا تنافسها أي مدينة في العالم، هناك سيارات أجرة من الحجم الكبير لم يعتقد مصممها لأول مرة أن تقل سبعة ركاب دفعة واحدة، وتتمايل في الطرقات مثل كلب ضال لا يأبه بالحفر والمستنقعات.. وفي المدينة أيضا (العاصمة الاقتصادية زعما) هناك النقل السري والنقل بالدراجات، وعربات الكوتشي حين "تستمتع" بجولات سياحية ورائحة مخلفات الحصان.
إنها البيضاء التي تشبه أفعى تتمدد في كل الاتجاهات، وتلسع كل من يحاول تدجينها، ثم تترك مخلفات نموها عِبرة لكل الباحثين عن "إنقاذ" سكانها من نقل يعود إلى قرون قديمة ولا علاقة له بالتمدن.
فجأة حل الطارمواي، ذلك المخلوق الطويل الذي يتحدى الشوارع الضيقة واختناق حركة السير، فاعتقد البيضاويون أن نهاية أزماتهم انتهت إلى غير رجعة. وكيف لا؟ والمسؤولين عنه رسموا المدينة مثل جنة فيحاء، وقالوا إن الطرامواي سيكشف جمالها، وستختفي صورة تلك الشمطاء القبيحة.
لم يقو الطارمواي على مقاومة أزمات المدينة، فبدأت نشرات الأخبار تبث صورا مفزعة تحولت إلى كوابيس: طارمواي يقتل الراجلين ويتسبب في حوادث غريبة عصية على الفهم، وبدل أن تنجح تلك الآلة العجيبة في ضمان سلامة السكان بدأت تنتقم منهم.
ولأن الطارمواي مل من لعب دور "المنقذ"، فقد أصيب باللعنة، وبدل أن يحترم كرامة الراكبين لجأ إلى الدوس عليها في أول مناسبة، فحين شن عماله إضرابا عن العمل توقف قلبه عن الجولان في الشوارع، ومن تبقى منه أصبح علبة سردين يتكدس فيها البيضاويون.. ثم عادت حليمة إلى عادتها القديمة.