بعد ان تطرقنا في الحلقة الماضية الى نشأة شخصية جون جانزون وانتقاله الى قصبة سلا، سنسلط الضوء في هذه الحلقة، على مسار هذا الرجل الهولندي الأصل والمنشأ، والذي نصب كأول حاكم لجمهورية ابي رقراق المستقلة، سنتكلم عن غزواته العالمية التي ارعبت الغرب، وكيف انتهى به المأل سجينا في قبو مظلم بجزيرة مالطة، ليحرر بعد ذلك ويستقر بقصبة الوالدية إلى أن وافته المنون ليدفن هذا الرجل الذي روع اوروبا بمكان مجهول، لتطوى صفحة من تاريخ المغرب حملت العديد من الاساطير و الحقائق.
أختير جون جانسون من طرف ديوان سلا رئيسا على الجمهورية المستقلة، ليبدأ بناء 17 من المراكب القرصانية السريعة سيستغلها لاحقا في عملياته الجهادية البحرية.
حوالي سنة 1623 ضرب السلطان مولاي زيدان حصارا على مدينة سلا، لكنه فشل في القبض على جون جانسون او ما اصبح يسمى مراد الرايس، ولحفظ ماء وجهه عين مولاي زيدان مراد الرايس حاكما لسلا، كما تزوج للمرة الثالثة سنة 1624 من ابنة مولاي زيدان تقربا منه وتذكر المصادر انه كان له منها أبناء أيضا. استمر نشاط مراد الرايس في القرصنة في حوض البحر الأبيض المتوسط وشمال أوروبا.
في سنة 1627 ترك مراد الرايس مدينة سلا متوجها الى الجزائر مرة أخرى. إشترى مراد الرايس عبدا دانماركيا لقيادته هو ورجاله الى آيسلاندا حيث عملوا على مهاجمة قرية الصيد "كريندافيك"، إلا ان الغنائم كانت ضعيفة، حيث لم تتعدى بعض السمك المملح وبعض الجلود، وأيضا رهن اثنا عشر أيسلنديا وثلاثة دنماركيين من نفس القرية. بعد مغادرتهم للقرية نجحو في الإيقاع بسفينة تجارية دنماركية والاستيلاء عليها، بعد الاحتيال عليها عن طريق رايات بحرية مغلوطة.
توجه بعدها مراد الرايس الى "بيساستوار" حيث توجد إقامة الحاكم الدنماركي في ايسلاندا لنهبها، إلا ان التحصينات المحلية والمقاومة التي واجهته منعته وطاقمه من الانزال على الأرض، مما حدا بمراد الرايس الى تغيير وجهته والرجوع الى سلا من اجل بيع غنائمه واسراه في سوق النخاسة.
رست المجموعة الثانية من المغيرين في الرابع من يوليوز على شواطئ «هايلسنس" جنوب آيسلاندا، حيث عملوا لمدة أسبوع على نهب سكان المضايق والشواطئ، اسرين 110 من الايسلنديين، والعديد من المواشي والدواب والمال والغنائم الأخرى، وفي طريقهم استولوا على باخرة تجارية دنماركية. بعد ان واجهتهم رياح بحرية قوية قرروا الإبحار على طول الشواطئ الأيسلندية، حيث كان الى جانبهم مركب اخر للقراصنة، في هذا المسار استولوا على باخرة صيد انجليزية.
في غياب تام للموانئ او أماكن الرسو على طول السواحل الجنوبية لإيسلندا، توقفت السفن الثلاث في 16 من يوليوز بجزر الفيستمان، حيث قاموا بعملية نهب لقرى الصيادين استمرت لثلاثة أيام، اسفرت عن اسر 234 شخص وقتل 34 اخرين، من بينهم وزير للجزيرة. وحسب تقرير مفصل للغارة، والذي انجزه الوزير "اولفور ايكليسون" الذي أسر ونقل الى الجزائر، قبل ان يرسل الى ملك الدانمارك لطلب الأموال من اجل شراء الاسرى الأيسلنديين لدا الجزائر، ان القراصنة كانوا يقتلون الشيوخ والمعطوبين بدون رحمة، كذلك الامر بالنسبة لهؤلاء الذين حاولوا المقاومة. في 19 يوليوز غادرت السفن جزر الفيستمان لترسوا على ميناء الجزائر.
في سنة 1629 ضربت المجاعة بلاد المغرب، فأرسل مراد الرايس ابنيه ابرهام وانتوني الى أمستردام شمال هولاندا، ليتزوج ابنه انتوني من كريتج رينير على متن نفس السفينة، في سنة 1635 شارك مراد الرايس في الهدنة التي ابرمت بين السلطان السعدي الوليد بن زيدان ولويس الثالث عشر. في نفس السنة اعتقل جون بالقرب من تونس من طرف فرسان مالطة، ليزج به في سجن مظلم بجزيرة مالطة، حيث عانى من التعذيب والتنكيل، الذي أثر على حالته الصحية. في سنة 1640 سيتم تحريره بعد هجوم كاسح من طرف القراصنة، تحت اشراف داي تونس، ليرجع الى المغرب، ويعينه السلطان الوليد بن زيدان حاكما على قصبة الوليدية بالقرب من اسفي.
وبمناسبة تعيين القنصل الجديد لهولندا بالمغرب، تلقى زيارة من ابنته من زوجته الأولى ايليزابيث جانزون وزوجها، التي قدمت من هولندا، استقبلها جون بكل حرارة، وبقيت بجانبه الى غاية غشت من سنة 1641 لتعود الى هولندا.
تحول الرايس مراد او جون جانسون الى رجل ضعيف يقهره المرض، بحيث خرج من الحياة السياسية ومن عالم القرصنة. توفي سنة 1641 ليوارى جثمانه الثرى في مقابر المسلمين، ليضل قبره مجهولا الى الأن.