بعد ان رأينا في الحلقة الماضية، الظروف التاريخية التي دفعت الموريسكيين ومن بعدهم الحرناشيون، الى مغادرة بلاد الاندلس والاستقرار بأرض المغرب الاقصى. سنتوقف في هذه الحلقة على العوامل السياسية التي أدت الى ظهور جمهورية ابي رقراق.
بعد وصول المورسكيين ومن بعدهم الحرناشيون الى كل من تطوان وبعدها الى سلا، قادوا حملات للقرصنة البحرية ضد الاساطيل الاسبانية والبرتغالية، في كل من منطقة بحر البوران وهي المنطقة الغربية للبحر الأبيض المتوسط الواقعة بين اسبانيا والمغرب والجزائر، وكذلك مضيق جبل طارق، إلا ان البداية الحقيقية لجمهورية بورقراق، كانت بعد استقرار اللاجئين الاندلسيين فيما كان يعرف انداك بسلا الجديدة، وهي الضفة الغربية لنهر ابي رقراق المعروفة حاليا بقصبة الوداية ومحيطها.
وكانت مدينة الرباط قد شيدت من طرف السلطان الموحدي يعقوب المنصور مباشرة بعد انتصاره في معركة الأرك سنة 1191 ميلادية، الا انها ضلت لسنين عديدة غير مكتملة، اما مدينة سلا فقد عرفت في القرن 16 نموا عمرانيا وسكانيا مهما، وذلك بعد توطين الساكنة الاندلسية المطرودة من شبه الجزيرة الإيبيرية، تم توطين اول الحرناشيين في موقع الأوداية، حيث قاموا بترميم اسوار المدينة، وتزويدها بتحصينات مدافع، كما قاموا بتشييد أحياء سكنية وحمامات وأفران.
بعد وفاة احمد المنصور الذهبي، تنازع ابناه زيدان الناصر في مراكش والشيخ المأمون في فاس حول السلطة في البلاد. حيث تحالف زيدان الناصر، في حربه ضد أخيه مع الموريسكيين، بينما تحالف المأمون مع إسبانيا بعد ان فر اليها طالبا نجدة الملك فيليب الثالث، وكان تسليم العرائش للإسبان ثمنا لهذا الدعم. انتهى الصراع بانتصار زيدان الناصر، الذي استغل المهارات الحربية للموريسكيين وخصوصا الحرناشيين الذين كانوا أكثر تمرسا على استعمال السلاح الناري، في التوطيد العسكري لسلطته، خصوصا في منطقة درعة جنوبا، لمحاربة أبي حسون السملالي، أمير بلاد السوس وزعيم الإمارة السملالية وشيخ زاوية إيليغ. إلا أن إبطاء زيدان الناصر في دفع رواتب الجنود الموريسكيين، دفعهم إلى الفرار من الجيش السعدي للاستقرار في الرباط وسلا.
محاولة من زيدان الناصر لكسر شوكة ابن أخيه مولاي عبد الله عن اطماعه السياسية في السيطرة على سلا، عمل على التطوير العسكري للضفة الجنوبية لنهر ابي رقراق المسماة أنداك بسلا الجديدة، والتي استقطبت في مدة وجيزة العديد من الاندلسيين، الذين قاموا بتعميرها. بعد ان كانت الدولة المركزية تنصب قائد سلطاني بالمصب، يشرف على اقتطاع 10 بالمائة من مداخيل القرصنة لفائدة خزينة الدولة استطاع السلاويون الاستقلال تدريجيا استطاعوا عن الدولة المركزية، ليشكلوا كيان سياسي مستقل حتى عن سلطة الزوايا الدينية التي كانت لها سلطة على المنطقة، كرباط المجاهد العياشي. نتيجة لاستعمار المهدية من طرف الاسبان تحول نشاط القرصنة البحرية الى مصب نهر ابي رقراق، جالبا معه العديد من القراصنة والمنشقين من العديد من الأقطار الأوروبية، وخصوصا الهولنديين الذين كانت لهم دراية بصناعة السفن حيث أصبحت الرباط وسلا مركزا مزدهرا ونقطة انطلاق للقرصنة البحرية،