ويتابع البدراوي في حالة اعتقال رفقة البرلماني السابق ورئيس جماعة بوزنيقة المعزول في حالة اعتقال، إذ جرى إيداعهما في سجن عكاشة بقرار من قاضي التحقيق بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء، على خلفية التلاعب في صفقات التدبير المفوض المتعلق بالنظافة الذي أسند للمجموعة المذكورة.
وعادت الركبان لتسير بذكر عزيز البدراوي من جديد (54 عاما) على ضوء القضية المذكورة، وهو من مواليد الرباط عام 1970، ويقول إنه نشأ وترعرع في عائلة فقيرة، وأنه أصبح صاحب هولدينغ « أوزون » بعصامية، ولا يتردد في التعبير عن فخره واعتزازه لكون أصبح بفضل ذكائه واجتهاده مالكا لـ67 شركة جرى تجميعها في هولدينغ « أوزون »، بعد مسار دراسي توزع بين الرباط وفاس والخارج توج بحصوله على الدكتوراه، التي تختلف الأخبار حول الجامعة التي حصل منها على هذه الشهادة بين أمريكا وجامعة في بيروت.
عبر الهولدينغ ولج الرجل إلى عالم الرياضة، إذ وقع عقد استشهار مع الدفاع الحسني الجديدي لكرة القدم، ومع ذلك لم يكن الكثيرون يعرفون الرجل، الذي أصبح اسمه أكثر تداولا عبر محركات البحث حين روج المقربون منه لخبر اعتزامه الترشح لرئاسة فريق الرجاء البيضاوي لكرة القدم، علما أن الهولدينغ يستفيد من التدبير المفوض لعدة مدن مغربية.
رغم اختياره من قبل من بين الشخصيات المؤثرة في مجال تخصصه، والعمل بجد على حماية البيئة، كما كان الشأن عام 2018 فإنه الرأي العام لم يكن يعرفه.
بسرعة فائقة أصبح حضور البدراوي في وسائل الإعلام بمختلف أنواعها لافتا، إلى درجة أن صوته وصورته صارا مألوفين في أوساط الرجاويين بشكل خاص، ولدى الرياضيين بشكل عام، وأيضا غير الرياضيين، إذ كانت رحلاته المكوكية متعددة، وكذلك إطلالاته تسمعك الصوت في مختلف المحطات الإذاعية، ويطل عليك من القنوات التلفزيونية، والصحف الورقية والإلكترونية.
وبشرت هذه الهالة بتيسير أمر عبوره لرئاسة فريق الرجاء البيضاوي رغم افتقاده الأهلية، على اعتبار أنه لم منخرطا سابقا في الفريق.
كانت الكلمات الزنانة والشعارات الأخاذة والوعود كفيلة بالقفز من جديد على شرط أقدمية الانخراط في الفريق الأخضر لموسمين متتاليين لتمكينه ليس من الترشح لرئاسة الرجاء فقط، بل أصبح بسرعة رئيسا للفريق البيضاوي، وتسلم المفاتيح كمن يتسلم شيكا على بياض يدون فيه الرقم الذي يريده.
غداة يوم تسلم الرئاسة، حضر لمتابعة الديربي ضد الوداد ووعد اللاعبين بمنحة سخية، ومع منحة خاصة لمن يحرز هدفا، وكانت من نصيب محسن متولي، الذي أحرز هدفين، وبعد الفوز تسلم اللاعبون المنح قبل أن يجف عرقهم.
لم « يلعب » البدراوي بعقول اللاعبين فقط، بل أيضا بعقول الجمهور خصوصا أنه اختار الشعبوية طريقة لذلك، وتبقى عبارته الشهيرة « غادي نبلبلوها » شاهدة على ذلك، فضلا على تغذية الخلاف مع الغريم التقليدي « الوداد البيضاوي »، فتح جبهة خلاف مع الإعلام، مستغلا تعطش الإعلاميين الرياضيين للحصول على تصريحاته، ووجه سهام النقد بعبارات « بذيئة » لأحد المنابر.
كان الرجاويون يمشون بخيلاء أولا للفوز بالديربي، وثانيا لاعتقادهم بأن مستحقات اللاعبين لم تعد مشكلة لفريقهم المفضل، متوهمين أن هذا الحال سيدوم، وأن العودة إلى منصات التتويج وطنيا هي مسألة وقت ليس إلا.
ولأنهم يقولون إن الزمن كشاف، كشفت الأيام غياب الوضوح في تدبير شؤون الفريق، والاختلاف الواضح بين ما يقوله الرجل وما يفعله، كما أنه كان ينفرد بالقرارات ويتجول عبر الدول بدعوى توقيع الشراكات، ويختار المدربين دون استشارة، ولعل هذا ما أدى إلى استقالة بعض الأعضاء واختفاء آخرين دون الإفصاح عن مواقفهم، على غرار الناطق الرسمي سعد التسولي.
كان عدد من الرجاويين يتحسرون طريقة العمل وهبوط أسلوب الحديث، وطغيان الشعبوية في فريق درج على تسييره أشخاص يتحدثون بأسلوب لبق يتلاءم مع مركزهم في الحياة العامة، ومسؤولية تسيير فريق بحجم الرجاء، ربما لم يكن البدراوي الذي جاءت به الأقدار يعرف أن من تحملوا مسؤولية الرجاء محامون ومسؤولون حكوميون وحزبيون وأطر كبرى في القطاعين العام والخاص، وكان هدفه أن يسير بأسلوبه فريق الرجاء.
أمهل الجمهور البدراوي بعض الوقت، ولأن النتائج لم تكن على ما يرام، تصرفت فئة من الجمهور وكأنها عادت إلى رشدها وانبرت للنبش في تاريخ البدراوي، علما أن الجمهور لم يكن يلقي بالا لتصريحات من يزعمون أنهم اشتغلوا معه وأساء معاملتهم، واتهموه بالشطط والاعتداء و...
هكذا تجند محبو الفريق لجمع المعلومات، وعلى رأسها جهره من قبل بكون الجيش الملكي هو فريقه المفضل، وتداولوا صور تقبيله لشعار الفريق العسكري رغم اعتذاره مسبقا عن ذلك. وجرى تداول صفحات مجلة دون فيها ما نسب له من تصريحات، فضلا عن التساؤل حول سر اختفاء السيارة الفاخرة التي حضر بها أول مباراة بصفته رئيسا للرجاء، والتي أشيع أنها كانت مكتراة.
وعادت الفيديوهات القديمة لمن اعتبروا ضحاياه للتداول بقوة، ورغم ادعائه عدم المبالاة بما يقال كان تحت ضغط رهيب، واتعكس ذلك على تصرفاته، واستغل الفرصة لإعلان رغبته في المغادرة في منتصف الموسم الماضي وهو الذي حل بالفريق قبل متم الموسم الماضي، وأعلن عن عقد جمع عام.
مثلما حل بالفريق بسرعة كانت المغادرة سريعة، إذ تشبث بالهبوط من السفينة الخضراء تاركا الجمل بما حمل، وكان مقامه بين 16 يونيو 2022 و26 ماي 2023. ولم يبد الأنصار حسرتهم على رحيله، وكانوا يرددون أن الرجل باعهم الوهم، واستعمل الفريق مطية للولوج إلى قطاع النظافة في الدار البيضاء، وهو ما ظل ينفيه منذ بدأت شائعات عدم الولاء للفريق تحوم حوله.
ذهب البدراوي إلى حال سبيله لكن مروره من الرجاء ترك الأضواء مسلطة عليه، من خبر التنازل عن رئاسة الهولدينغ، إلى الحديث بين الفينة والأخرى عن اعتزامه رئاسة هذا الفريق أوداك، لكن عودته الحقيقة إلى الواجهة كانت مع انفجار قضية التلاعب في صفقات التدبير المفوض لمدينة بوزنيقة والتلاعب بالأرقام مع محمد كريمين الرئيس المعزول من قبل وزارة الداخلية.
وتفجرت القضية بعد اكتشاف تضخيم الأرقام والخسائر الكبيرة التي تكبدتها الجماعة، وبالتالي بات متابعا بتهمة تبديد واختلاس أموال عمومية، وبناء عليه قضى النصف الأخير من ليلة أمس بسجن عكاشة.
ويزعم البعض أن الهولدينغ جرى تكوينه بتجميع شركات النظافة الجهوية التي كان يؤسسها في مناطق مختلفة برأس مال جد محدود، كما جرى ترويج شريط صوتي يقال إنه لمشتغلين معه، مفاده أن الرجل كان يضع في حسبانه ما قد يحصل، فاختار التخلي عن رئاسة الهولدينغ.
على أي حال، يبقى إيداع البدراوي سجن عكاشة بداية مرحلة أخرى من مسار رجل ارتقى بسرعة، وفتح أكثر من واجهة فضل عدم الارتقاء بأسلوبه ليوازي مع ما يقول إنه يتوفر عليه من شهادات، واختار الشعبوية مذهبا.