وصفت يومية "الأخبار" بالبنط العريض على صدر صفحتها الأولى قصة التلميذة بأنها "أغرب من الخيال"، وأضافت في التفاصيل بالصفحة الثانية، أن تلميذة تسكن بمنطقة نائية ومهمشة اسمها "تادينت أوطاط الحاج"، حصلت على الباكالوريا باسم أختها التي تكبرها بسنتين، وأن كل المسؤولين داخل المؤسسات التعليمية تنصلوا من مسؤوليتهم اتجاه القضية وتقاذفوها ككرة بينهم، مما زاد من تعقيد قضية التلميذة ومعاناتها، خاصة مع ظروف المنطقة الصعبة والأمية التي يعانيها والدها الذي لا يعرف القراءة والكتابة.
"الأخبار" التي التقت الفتاة، نقلت على لسانها، أنها التحقت بالمدرسة فذهب والدها لتسجيلها بإحدى المؤسسات التعليمية بتادينت، وعندما تسلم الموظف الحالة المدنية من الأب، طلب منه إنجاز الوثائق الإدارية الخاصة بعملية التسجيل، وبما أن الوالد لا يعرف القراءة والكتابة، فقد وقع خطأ في التسجيل، ليتم تسجيل أختها التي تكبرها بسنتين عوضا عنها، ومن ثم بدأت رحلة انتحال صفة الأخت الكبيرة خلال مراحل الدراسة دون نية مسبقة، تحكي التلميذة التي ازدادت سنة 1996.
وتضيف اليومية أن المعلمين كانوا ينادون عليها باسم أختها، حاولت أن تصحح لديهم الاسم، "تحكي التلميذة وداد عمراوي، وهو اسمها الحقيقي، بأن مرحلة الابتدائي مرت دون أن ينتبه أي أحد إلى الخطأ الفادح المرتكب في عملية التسجيل، لتنتقل بعدها إلى الإعدادي، وعندما وصلت مستوى التاسعة بالضبط، انتبه الحارس العام إلى قضيتها، وجعل يمحص ويحقق فيها، ليستدعيها إلى مكتبه، ويشرع في طرح الأسئلة حول السر في تسميتها بـ(ز.ع) بدل وداد عمراوي.
وتضيف اليومية على لسان التلميذة وداد "بعد بحث الحارس العام في القضية توصل إلى أنها تدرس باسم أختها الكبيرة، فشكل ذلك صدمة لي" تروي وداد، قبل أن تسترسل "استدعى الحارس العام والدي وطلب منه محاولة إصلاح الخطأ، لتبدأ حينها معاناة جديدة، من خلال طرق ابواب الإدارات العمومية والمؤسسات التعليمية دون جدوى".
وتتابع اليومية أن والد الفتاة كان في كل مرة يكمئنه المسؤولون بأنهم يفكرون في حل للقضية، وأنه كان يعود وهو واثق من أن الحل مسألة وقت فقط، فمرت ثلاث سنوات لتصل وداد الباكالوريا دون أي حل يذكر سوى التسويف والمماطلة.
ما سيزيد الطينة بلة، هو استخراج وداد لبطاقة التعريف الوطنية باسمها الحقيقي وهو وداد، ويوم الامتحان إذا باستاذ يطالبها ببطاقة التعريف الوطنية، تفاجأت التلميذة وارتبكت لأنها عرفت أن تسليمه البطاقة الوطنية يعني انتحال صفة أختها بالدليل القاطع، وهو الشيء الذي ربما يعرضها للاعتقال والطرد، رفضت وداد، حسب رواية "الأخبار"، تقديم هويتها، فاستدعى الأستاذ المدير والحارس العام ليلتحق الأساتذة بقاعة الامتحان، ويؤكدوا للأستاذ المكلف بالحراسة أنهاالمعنية بالأمر.
وتقول "الأخبار" أن هذا الحادث اثر على نفسية وداد، وفقدت معه التركيز، الشيء الذي جعلها تحصل فقط على معدل 12 نقطة خلال نتائج الباكالوريا، في حين أن أنها حصلت على 15 في الامتحان الجهوي.
تسلمت وداد شهادة الباكالوريا لسنة 2014، أو بالأحرى تسلمتها أختها التي لم تدرس يوما في حياتها، والمتزوجة الآن ولها ابناء، وتضيف الجريدة، أن وداد لم تستسلم وعرضت قضيتها على جمعيات حقوقية من أجل التدخل لتصحيح خطأ كلفها غاليا بعدم قبول تسجيلها في اية جامعة، بعد أن باءت كل المحاولات بالفشل.
وتقول وداد لـ"الأخبار" بأن النائب الإقليمي بميسور يطالب بوثيقة مكتوبة من المدير يقر فيها بالخطأ، والمدير يطالب بأمر من النائب مكتوب كذلك لتصحيح الخطأ، وتضيف "توجهت إلى مكتب وكيل الملك لدى ابتدائية ميسور عله يساعدني في تصحيح الخطأ، لكنه اعتذر عن عدم وجود الصيغة القانونية لمثل حالتي"، وتضيف "لقد تعاطف وكيل الملك مع حالتي ونصحني بتسليم مطابقة الاسم رفقة ملف تسجيلي في الجامعة، إلا أن مصلحة التسجيل بالجامعة بفاس، رفضت بشطل قاطع تسجيلي في جميع الحالات، إلا إذا كانت شهادة باكالوريا مطابقة لما هو مسجل على بطاقة تعريفي الوطنية.
وداد وتلميذات القرية
قمة التناقض أن يسعى بلد بكامله جاهدا إلى تشجيع تمدرس الفتاة في العالم القروي وتوجد بالموازاة معه حكاية التلميذة وداد، والسبب خطأ "مطبعي" بسبب تسجيلها اليوم الأول في المدرسة.
الخطأ يتحمله بدرجة أولى أهل وداد، لكن في الوقت ذاته لا يمكن تقبل أن تضيع 12 سنة من الدراسة في حياة فتاة قروية كابدت وتحدت كل الظروف لتحصل على شهادة الباكالوريا، لتجد نفسها في الأخير لا تستحقها.
سيكون مفيدا لو خصصت الجمعيات النسائية القليل من وقتها لمساندة التلميذة وداد الطامحة إلى إتمام دراستها الجامعية.