اعتادت أسبوعية Le Canard Enchainé أن تنجز مقالات صحافية جيدة، خاصة إن تعلق الأمر بأخبار وكواليس قصر الإليزيه أو تعلق الأمر بأروقة السياسة في فرنسا، غير أن مقالها الأخير عن زكرياء المومني، يخلف، عند قراءته، طعما مريرا لخيبة أمل كبيرة.
ففي مقال معنون بـ"ملاكم بحجج دامغة" لم تكلف هذه الصحيفة نفسها عناء التقصي أو التحقق من المعلومات التي ساقها المومني في تهجمه على المغرب ومؤسساته، وهو الطامع في كسب ما يقارب 5 ملايين أورو، كتعويض مادي عما يروج له.
فمثلا عندما يتحدث كاتب المقال في "البطة المغلولة" عن قيام المومني برفع شكايات في حق مسؤولين مغاربة كبار، نسي أن المومني بدوره موضوع شكاية بسبب تزييف الحقائق والتهديد، كان آخرها دعوى قضائية رفعها ضده امحند العنصر، الذي يتوفر على تسجيل لمكالمة هاتفية للمومني يهدد فيها بشكل واضح الأمين العام بحزب الحركة الشعبية ووزير الداخلية السابق.
ومن أوجه الغرابة والتناقض التي ينقلها المقال المذكور هو اعتماده على معطيات ونقيضها في الوقت نفسه، إذ يخبرنا المقال أن الشرطة الفرنسية وفرت له الحماية عندما تقدم بشكاية ضد مسؤولين مغاربة، لكنها بعد أيام سحبت حمايتها له، عندما تبين لها أن ما يدعيه المومني مجرد افتراءات وأضغاث أحلام.
وتغطس "البطة المغلولة" في وحل التناقضات ثانية، عندما تستشهد بظهير ملكي، يرتكز عليه زكرياء المومني في مطالبته بمنصب مستشار في وزارة الشباب والرياضة، وطموحه للتحول إلى "موظف شبح"، وتقول إنه ظهير يرجع للملك الراحل الحسن الثاني، وأنه يقتصر فقط على الأبطال الأولمبيين، مما يعني أن حزام بطل العالم الذي ناله المومني في رياضة "لايت بوكسينغ" لا يؤهله، لا هو ولا رياضته المفضلة، إلى الاستفادة من هذا الظهير.
وتمضي الأسبوعية في "تحقيقها" حول قضية المومني لتقول إن سجله العدلي "أسمن" من سجل إنجازاته الرياضية، المقتصرة فقط على لقب يتيم في رياضة "لايت كونتاكت"، إضافة إلى بعض المباريات في المصارعة الحرة داخل الأقفاص، الممنوعة أصلا من الممارسة في فرنسا.
وتكشف الأسبوعية الشهيرة أن المومني على الرغم من إنجازه الوحيد فقد جرت مكافأته في المغرب بمنحه "گريمتين" (مأذونيتين) لسيارة أجرة، يستفيد منهما إلى اليوم، رغم شراسته وعدائيته للمغرب.
وتسوق الأسبوعية الفرنسية بشكل فض ادعاءات المومني في ما يخص قصة اعتقاله، "إذ يدعي تعرضه للاعتقال والتعذيب في تمارة"، في حين أن رواية شرطة القضائية بالرباط تتحدث عن اعتقاله بمطار الرباط سلا، بناء على مذكرة تتعلق بضلوعه في عملية نصب واحتيال، وأن فترة مكوثه رهن الاعتقال الاحتياطي دامت ثلاثة أيام كانت في مقر ولاية أمن الرباط.
في حين يصر المومني على أنه اعتقل وتعرض للتعذيب وأنه تعرف على عبداللطيف الحموشي، المدير العام لمديرية الحفاظ على التراب الوطني، وكأن هذا الأخير سيترك أشغاله ويتفرغ لمراقبة متهم بالاحتيال والنصب.
ويلجأ زكرياء المومني غير ما مرة إلى ذكر أسماء مسؤولين مغاربة كبار ليمنح بعدا كبيرا لقصته، راجيا من هذا الأمر إعطاء نكهة تشويقية وسحرية لتلفيقاته، حتى يستاثر بتغطية إعلامية واسعة.
غير أن ذكر الأسماء التي يبرع فيه المومني لا يتسم بالمصداقية لأنه مزج بعضها مع الآخر، يظهر أن الملاكم الشرس يفتقد لكثير من المنطق، فكيف يمكن لرئيس جهاز مراقبة التراب الوطني أن يتلقى أوامره من السكرتير الخاص للملك منير الماجيدي، الذي لم يسلم اسمه من لسان وافتراءات المومني.
افتقاد الرؤية الواضحة والانسجام في روايات المومني لم يمنع صحفي "البطة المغلولة" من أن يوقع "تحقيقه" هذا، على الرغم من تضمنه مغالطات ومعطيات متناقضة، مما جعل المقال يظهر أنه كتب على عجل.