بنواحي إقليم قلعة السراغنة، يوجد آباء يقدمون بناتهم القاصرات كرهائن لدى أشخاص يفعلون بهن ما يشاؤون، يستغلونهن جنسيا، أو يتخذونهن خادمات، مع إمكانية إعادتهن إلى عائلاتهن متى رغبوا في ذلك، محملات بأبناء ولدوا من هذا الرهن، وبالكثير من العار.. وهو ما يطلق عليه اسم "زواج الكونطرا"، حسب ما نشرته "أخبار اليوم".
وأكدت اليومية، التي انتقلت إحدى صحفياتها إلى منطقة إقليم قلعة السراغنة من أجل إنجاز تحقيق مفصل حول الموضوع، أن من المعروف أن القانون يفرض أن تبلغ الفتات سن الثامنة عشرة قبل الموافقة على زواجها، أو أن يوافق القاضي على تزويجها إذا كانت قاصرا، لذلك يتم التحايل لتزويج الفتاة الصغيرة عن طريق "زواج الكونطرا"، حيث يتم إبرام التزام يقر فيه "الزوج"، في عقد مكتوب، بأنه مدين لوالد الفتاة بمبلغ مالي "يتراوح بين 20 و60 ألف درهم"، فيعامل الزوج الفتاة معاملة الأزواج طيلة فترة العقد، وإذا رغب في الطلاق يصبح من حق الأب أن يطالبه بمبلغ عقد السلف، أما الفتاة فتعود إلى بيت أهلها، وأحيانا تكون حاملا أو بين يديها رضيع، وأحيانا يتم طردها من بيت الزوجية دون أن يعترف الرجل بأنها كانت تسكنه يوما.
العملية هي استغلال لفتيات مغلوبات على أمرهن، تعاني أسرهن من العوز المادي، كما تقول الجريدة، أما في نظر الشرع، فهي محض زنا واعتداء على طفلة لم تبلغ بعد سن الزواج، ومن الناحية الحقوقية، فالعملية فيها اغتصاب للحقوق الطبيعية للفتاة، كالحق في اللعب والدراسة والحق في حياة حرة، وهو ما يترتب عليه جرح في شخصيتها ونفسيتها.
وتشير الجريدة إلى أن الظاهرة أصبحت متفشية بشكل كبير في إقليم السراغنة، بل الأدهى أن السكان أصبحوا يتعايشون معها وعتبرونها أمرا عاديا، إذ ومن خلال جولة قصيرة في المنطقة، وبعد سؤال بعض السكان، يمكنك سماع جواب موحد: "أغلب الفتيات هنا يتزوجن عبر زواج الكونطرا".
وحسب المصدر نفسه، فإن أبطال هذه القصص غاليا ما يكونون شباب مهاجرين يرغبون في الارتباط بفتاة من أجل قضاء عطلة الصيف، وتركها وراءهم بعد مغادرتهم إلى بلدان المهجر، أما النوع الثاني، فهم سكان الدواوير، الذين يجلبون الفتاة الصغيرة إلى بيت العريس من أجل استغلالها جنسيا، والعمل كخادمة في البيت وكعاملة في المجال الزراعي.
وقد أكد العديد من الحقوقيين، للجريدة، أن ظاهرة "زواج الكونطرا" انتشرت في منطقة قلعة السراغنة، وانتقلت بعدها إلى خريبكة ونواحيها، وهي المناطق المعروفة بهجرة أبناءها إلى الديار الإيطالية والإسبانية.
وأثتت الجريدة ملفها بمجموعة من الحوارات، حيث أكد الحسين الراجي، المحامي وكاتب عام جمعية النخيل للمرأة والطفل، أن "زواج الكونطرا" لا يعتبر زواجا من الناحية القانونية والشرعية، بل نوع من الاستغلال الجنسي لفتيات مغلوبات على أمرهن لعوز مادي أسري، حيث يقوم الأب برهن ابنته لشخص، أي زوج، مقابل عقد سلف بمبلغ مالي، يتراوح بين 30 و50 ألف درهم، وعادة ما يكون الزوج من المهاجرين بالديار الأوربية، خاصة الإيطالية.
أما المحلل الاجتماعي أبو بكر حركات، فركز على الآثار النفسية لهذا النوع من الزواج على القاصرات، حيث أكد أن الفتاة عندما تتزوج في سن مبكرة وترى بأن قريناتها مازلن في المدرسة ومازلن يلعبن ويعشن حياتهم بحرية، فهي تتأثر، كما أنها، حينما تصل إلى سن الثلاثين تكتشف الفرق بينها وبين امرأة أخرى ستتزوج في هذا السن، إذ أن سن الزواج في الحواضر يكون في المعدل في سن 27 و30، وبالتالي يمكنها أن تحس بأنها أصبحت عجوزا قبل الأوان.
بالمقابل، يصف السكنفل، رئيس المجلس العلمي لعمالة الصخيرات تمارة، من الناحية الشرعية، "زواج الكونطرا" بأنه "زنا"، لأن فيه نوعا من التحايل على الشرع والقانون، كما أن العقد الخاص به يكون باطلا. ويؤكد السكنفل أن الزواج هو ميثاق ترابط وتماسك شرعي بين رجل وامرأة، غايته الإحصان والعفاف، ولا يرتبط بمبلغ مالي يتم تسليمه للأب إلى حين عقد القران.
زواج القاصرات.. عنف جنسي وجسدي واقتصادي
كشف تقرير صادر عن الشبكة الوطنية لمراكز الاستماع إلى النساء ضحايا العنف "أناروز"، عام 2012، أن العديد من الزوجات القاصرات يتعرضن للعنف الجنسي في المقام الأول، ويأتي بعده العنف الجسدي. وأشار التقرير إلى تزايد عدد الزوجات القاصرات اللاتي تعرضن للعنف المبني على النوع الاجتماعي، إذ صرحت 28 في المائة من الحالات الواردة على مراكز الاستماع، التابعة لشبكة "أناروز"، بأنهن تعرضن للعنف الجنسي، ويليه العنف الاقتصادي (28 في المائة)، والعنف الجسدي (21 في المائة). وأكد التقرير أن الزوجة القاصر تكون غالبا الحلقة الأضعف في دومة عنف تنتهي بالطلاق أو بمأساة تكون هي ضحيتها.