بنجلون "غضبان". "المعقول" عملة نادرة

الطاهر بنجلون

الطاهر بنجلون . DR

في 14/11/2014 على الساعة 10:00

أقوال الصحففي "غضبة" هذا الأسبوع، المنشورة على الصيغة الفرنسية لهذا الموقع، يتوقف الكاتب الطاهر بنجلون، بشكل ساخر، عند هذا الفقدان المزمن للجدية أو "المعقول" في المجتمع المغربي، حيث لا احترام لـ"الكلمة" أو المواعيد، بل لاشيء غير "سلّك" و"قْضي حاجة"...

لاشي في المغرب يستطيع إيقاف التطور، علامات فاخرة وأقل شهرة استطاعت أن تجد لها مكانا في المراكز التجارية بالدار البيضاء ومراكش على الخصوص. حتى المخابز التي لا تعد خبزا أحسن مما نعده أصبحت لها واجهات مميزة ودخلت في موضة نمط الاستهلاك.

أعلم جيدا أن الخبز الذي تشترونه من هذه المخابز الفرنسية كان غالبا مجمدا، لكنه طري في تلك اللحظة، وعلى كل حال المغاربة "عزيز عليهم يبانوا".

وقد التقيت أحد ملاك هذه العلامات، واعترف لي، ببساطة، أن كل شي يصنع في المعمل، وما عليه إلا أن يسخن المنتوج في أفرانه.

لا يهم، هناك خبر سار مع ذلك، هناك محل سيفتح أبوابه في فاس، "ويلا كمل عليه الله"، سيفتح في كل البلاد. لماذا فاس؟ لأن غضبة ملكية همت مشاريع أطلقت في 2013 وعرفت تأخرا بالشهور. ولم تنطلق الأشغال إلا منذ شهرين. ما أدى إلى إيقاف مدير الوكالة الحضرية لإنقاذ فاس عبد الإله لسلامي.

إذن، أي محل هذا الذي سيفتح أبوابه في فاس؟ إنه محل "المعقول". نعم، الشخص الجدي هو الذي يأخذ بعين الاعتبار الاستحقاق ويتصرف على هذا الأساس، يعرف على من يُعوّل، الذي لا يتغير والذي لا يكذب، فضلا عن الإخلاص، الثقة، الوفاء بالوعود والعهود، الدقة والتواضع.

حتى اللحظة، المحل قيد الإعداد، لأن النجارين لم يحضروا بعد، كالعادة، والصباغين ينتظرون تسلم الصباغة، والمالك هناك، ينتظر جالسا على كرسيه.

عندما يُسأل: ماذا تفعل هنا؟ يجيب: أريد أن أفتح محلا لبيع "المعقول"، بالجملة وبالتقسيط. لكنني، الآن أنتظر العمال و"الصنايعية"، وأعلم أنني سأنتظر، بعد ذلك، الزبائن، لأن كل شخص هنا يعتبر أنه "معقول". عندما تقدم له ملاحظة، ينفجر غضبا، ويقول لك: "الكلمة هي الكلمة" أو "راك عارفني، عندي كلمة وحدة"...

وبعد بضعة أسابيع، تم فتح المحل. وبدأ العابرون يمرون أمامه ويتساءلون عن البضاعة التي يبيعها، ويجيبهم التاجر "المعقول"، وعندها يغادرون وهم يسخرون "لواه الريح! راه احمق هاد السيد".

وبعد شهر واحد، اضطر صاحبنا إلى الإغلاق. وهكذا توجه، كأحمق، أو حكيم، إلى المدارس، وبدأ يقدم الدروس للأطفال حول القيم التي تجعلنا بشريين محترمين. لقد صار مدرسا لـ"مادة المعقول"، ويفعل ذلك مجانا، على اعتبار أن الوزارة لا تتوفر على منصب مالي لهذه المادة. ويعلم أنه لا حظّ له مع البالغين، لذلك لم يبق له إلا الأطفال والتربية.

يتحدث لهم عن الحضارات الكبرى التي تأسست على هذه القيمة الأساس، والتي مكنت بلدانا أن تصير كبيرة وتغزو أسواق العالم. وأعطاهم مثال اليابان وألمانيا والبلدان الاسكندنافية وسويسرا... ما سرها كلها؟ "المعقول" والدقة في المواعيد، وكل عمل منجز بإتقان وكل كلمة معطاة فهي بالضرورة محترمة. لا "سلّك" ولا "قْضي حاجة" ولا "نشوفو غدّا"...

هذا كل ما في الأمر، وتمنياتنا أن تفتح علامات تجارية يابانية أو سويدية أو ألمانية في المغرب. الأكيد أنها لن تجد كثيرا من التوفيق في البداية، لكن مع التربية، سنصير يوما "معقولين". وحذار أساسا من "مغربتها"، على الأقل في البداية...

تحرير من طرف الطاهر بنجلون
في 14/11/2014 على الساعة 10:00