الملف الأسبوعي، الذي امتد على ثلاث صفحات من الجريدة، أعد بين مناطق الشاون والحسيمة، ويبدأ بمقال يربط بين زراعة القنب الهندي والجفاف، حيث يورد أنه ابتداء من السنوات الأولى من تسعينيات القرن الماضي ظهرت نبتة غريبة سماها السكان بـ"خردالة".
لم تمض سوى سنة واحدة حتى عرف البعض أن هذه النبتة لا تشبه في شيء النباتات التقليدية التي يعرفونها، إذ جفت الكثير من منابع المياه في ظرف وجيز فقط. توهم السكان وقتها أن الأمر يتعلق فقط بشح التساقطات المطرية وأنه من العادي جدا أن تجف الينابيع وبعض الأنهار التي تخرق المنطقة، قبل أن يكتشفوا ألا شيء مما شيدوا في خيالاتهم صحيح. فبعد سنتين فقط، وجد المزارعون، في ما يشبه الصدمة، أنابيب للمياه مثبتة قرب الينابيع ومطمورة بعناية فائقة؛ بمعنى أنه كان يبدو الأمر عاديا جدا، سيما وأن خراطيم المياه التي كانت تربط بعض حقول الكيف وينابيع المياه التي تتواجد في غالب الأحيان بأعالي الجبال طمرت على مساحة 50 سنتيمترا تحت الأرض.
وبعد أن اجتاح فيضان صغير بعض مناطق باب برد، انكشفت "الخطة المدروسة"، وهي أن بارونات المخدرات يتحكمون في كل شيء لأن وضع خراطيم في غفلة من الجميع يقتضي، أولا، تواطؤ بعض سكان المنطقة معهم، وثانيا، تواطؤ السلطات...
بارتباط بهذا "التواطؤ" للسلطات، يقول المستشار الجماعي بباب برد وعضو المركز المغربي لحقوق الإنسان، عبد الله الجوط، بأن السلطة تهدد بالسجن مزارعي الكيف الصغار الذين يشتكون من السيطرة على منابع المياه.
في المقابل، أوردت الجريدة شهادة شريف أدرداك، رئيس جمعية أمازيغ صنهاجة الريف، التي يقول فيها إن المزارعين الكبار وبارونات المخدرات هم المستفيدون الأساسيون من حرب المياه. ويضيف، في حديثه إلى الجريدة ذاتها، أنه في الفترة الأخيرة عرفت حوادث مؤلمة بسبب مشكل سقي الكيف.
جانب من هذه الحوادث المؤلمة، يحكيه، في شهادة أخرى، لكن مؤثرة هذه المرة، أحمد، الستيني الذي ينتمي إلى قرية صغيرة قرب مركز بوحمد، حيث يقول "لقد بدأت الحرب منذ سنوات، ونحن وحدنا من يقدر ماذا يمكن أن تفعل بأناس يتوفرون على مورد واحد ووحيد لمواجهة الفقر (...)، حينما يقطعون عليك أجرك الشهري، ماذا ستفعل؟ يقينا، لن تقف مكتوف الأيدي. قد تكون لك بعض الخيارات الأخرى، لكن هنا في جبال الريف، لا خيار غير زراعة الكيف".
حروب المياه
الحديث عن "حروب مياه" في مناطق زراعة "الكيف" ليس من باب المبالغة أو الإنشاء، إنه واقع ملموس في مناطق تشح فيها الأرض الصالحة للزراعة، ومن كانت له أرض يتوسل بقوته ونفوذه وتواطؤ السلطات المحلية معه لريها بما يكفي من مياه، ولو على حساب المزارعين الصغار الذين لا حول لهم ولا قوة.
وما يجعل الأمر يتعلق فعلا بـ"حرب"، هو أن المنطقة تعرف نوعا من العزلة في مناطق وعرة، يفرض فيها بارونات المخدرات قانونهم الخاص، برجالهم وأسلحتهم، وبذلك تصبح حياة هؤلاء المزارعين الصغار مهددة، ليس فقط، بشح المياه والقضاء على موردهم الوحيد، بل هم مهددون أساسا بفقد حياتهم، إذا ما وقفوا للذوذ عن أراضيهم وحقهم في مياه السقي.