مرضى الهيموفيليا.. معاناة لا تنتهي مع نزيف الدم الوراثي

مرضى الهيموفيليا.. معاناة لا تنتهي مع نزيف الدم الوراثي

مرضى الهيموفيليا.. معاناة لا تنتهي مع نزيف الدم الوراثي . DR

في 16/04/2022 على الساعة 22:30

لم يخطر ببال "نعيمة" أن جرحا بسيطا أصاب طفلها "ياسر"، وهو يخطو خطواته الأولى، سينجم عنه نزيف دموي حاد استلزم نقله إلى المستشفى، وتعبئة طاقم طبي كبير قام على وجه السرعة بالإسعافات الضرورية لوقف النزيف، قبل أن تؤكد التحاليل المخبرية بعد ذلك إصابته بمرض الهيموفيليا.

إلى حدود تلك اللحظة، لم يكن الأبوان يعلمان شيئا عن المرض ولا عن أعراضه أو ما قد ينجم عنه من مضاعفات، إلا أن ما خلفه ذلك الجرح البسيط من فقدان كميات كبيرة من الدم ونزيف كان من الصعب إيقافه، جعلهما يدركان أن الأمر يتعلق بمرض غير عادي.

تقول نعيمة في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، "لم يسبق لي أن سمعت شيئا عن هذا المرض المزمن رغم أن الأطباء أخبروني بأنه وراثي"، مبرزة أن رحلة علاج طفلها التي انطلقت منذ حوالي عشر سنوات طبعها الألم والخوف بعدما أصبح الهاجس الأكبر للأسرة هو حماية طفلها من الإصابة بأي جرح مهما كان بسيطا.

ولم تخف حزنها الشديد بعدما قلب هذا المرض حياة أسرتها رأسا على عقب بسبب طبيعته الخاصة والقاسية وتكاليفه الباهظة، ولكونه حرم ابنها من اللعب بحرية والتمتع بطفولته مثل أقرانه.

معاناة نعيمة مع ابنها ياسر تكاد تختصر ما تتكبده جل أسر المصابين بالهيموفيليا بسبب صعوبة هذا الداء الذي يصيب الذكور على الخصوص وخطورة تأخر التشخيص وتكلفة العلاج الباهضة؛ ولذلك فإن اليوم العالمي للهيموفيليا الذي يحتفل به العالم في 17 أبريل من كل سنة يشكل مناسبة لتسليط الضوء على المعركة اليومية التي يخوضها المصابون بهذا الاضطراب الوراثي المزمن وذووهم من أجل تحسين التكفل بهم في المستشفيات ومراكز العلاج المتخصصة، وضمان توفر الأدوية التي يحتاجونها.

وفي هذا الصدد، قال حسن مراني علوي، رئيس الجمعية المغربية للمصابين بالهيموفيليا، إن هذا المرض يعد من الأمراض الوراثية المزمنة التي تصاحب المصاب به منذ ولادته وطوال حياته، وينتج عن نقصان أو انعدام عوامل تخثر الدم، مما يتسبب في سيلان ونزف الدم "Hémorragie" ما يعرض حياة المصاب للخطر.

كما أنه يتسبب في ألم شديد جدا في المفاصل عندما يصاب المريض بنزيف داخلي "Hématome" (ورم دموي)، موضحا أنه عند تكرار النزيف يتسبب في مجموعة من الإعاقات في المفاصل، ولذلك فإن أي مصاب بالهيموفيليا يبقى معرضا للإعاقة.

وأبرز في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء، أنه رغم وجود مركزين مرجعيين لعلاج مرض الهيموفيليا بمدينتي الرباط والدار البيضاء إلى جانب مجموعة من مراكز العلاج الجهوية بعدة مدن مغربية، وشراء بعض الأدوية من طرف وزارة الصحة وبعض المستشفيات الجامعية، إلا أن ذلك يبقى غير كاف ولا يشمل جميع أنواع الهيموفيليا كالهيموفيليا "باء" ، وكذلك دواء المثبطات "Inhibiteur".

وبخصوص الإحصائيات الخاصة بالمصابين بالهيموفيليا بالمغرب، أوضح رئيس الجمعية أنه حسب النسبة العالمية للسكان، يفترض وجود ما بين 3000 إلى 4000 مصاب، إلا أن العدد الم حصي أو عدد من يأتون إلى المستشفيات لا يتعدى 1200 مصاب، مشيرا إلى أن ذلك راجع إلى أن درجة إصابة البعض تكون خفيفة، ولكون حدة هذا المرض تنقسم إلى 3 درجات: صعب جدا، متوسط، وخفيف. كما أن البعد عن المستشفيات وخاصة في المناطق النائية والبوادي وانعدام سجل وطني للمرض بالمغرب لا يمكنان من ضبط عدد المصابين.

وعن الإكراهات التي تعيق التكفل بهؤلاء المرضى، يقول رئيس الجمعية إن الهيموفيليا "مرض نزيفي، وأي نزيف يتسبب في تلف المفاصل أو سيلان الدم حتى الوفاة، لذا وجب التكفل به بكل استعجال بالمستشفيات والمراكز مع ضرورة توفر المصاب على دواء شخصي بمنزله"، مضيفا أن "مريض الهيموفيليا يعيش هو وعائلته في حالة خوف دائم من النزيف الدموي. كما أنه يعاني من ألم نفسي وجسدي يومي في حال عدم وجود رعاية وتكفل به صحيا ونفسيا واجتماعيا حتى يتمكن من أن يكون فاعلا في المجتمع، خاصة وأن المعاناة اليومية والإعاقة تتسببان في عرقلة الدراسة. وفضلا عن ذلك فإن المصاب بالهيموفيليا لا يمكنه القيام بأعمال شاقة، مما يزيد من احتمال عطالته".

ومن أجل التخفيف من معاناة المصابين بالهيموفيليا بكل مناطق المملكة، دعا مراني علوي إلى التفعيل الكامل للخطة الوطنية للهيموفيليا، ولاسيما مخرجات الأيام الوطنية الخاصة بالخطة التي انعقدت بمدينة الرباط برعاية من وزارة الصحة والفدرالية الدولية للهيموفيليا بتاريخ 28 و29 أكتوبر 2019 ، والعمل على توفر الدواء بكل أصنافه (العامل 8 - العامل 9 - العامل 7 الخاص بالمثبطات) بكل المستشفيات الجامعية والإقليمية وبمراكز العلاج الخاصة بالهيموفيليا على طول السنة وبدون انقطاع.

كما أكد على أهمية تحسين وتجويد استقبال المصابين بالهيموفيليا بكل المستشفيات والمراكز، وخاصة في أقسام المستعجلات، واعتبار مرض الهيموفيليا "مستعجلا جدا"، علما بأن كلفة الدواء باهظة جدا، مشيرا إلى أنه كلما تم التكفل بالمريض بكل استعجال، كلما نقصت التكلفة وبنسبة كبيرة جدا، مما يستوجب العمل على العلاجات القبلية "Prophylaxie" وتوفر الدواء بمنزل المصاب.

وشدد أيضا على أهمية تفعيل شراكات مندمجة وفاعلة مع المؤسسات الحكومية من وزارات ومديريات ومجالس الجهات والجماعات والمستشفيات الجامعية والإقليمية ومراكز العلاج من أجل تنفيذ الخطة الوطنية للمصابين بالهيموفيليا، وذلك بالمساهمة في شراء الأدوية والمعدات وتجهيز ودعم مراكز علاج المصابين بكل الجهات والأقاليم، وكذلك بدعم الجمعية المغربية للمصابين بالهيموفيليا وفروعها كجمعية ذات النفع العام من أجل توفير الرعاية الاجتماعية والمواكبة المستمرة للمصابين وعائلاتهم في كل ربوع المملكة.

وخلص رئيس الجمعية المغربية للمصابين بالهيموفيليا إلى الدعوة لتهييء السجل الوطني للمصابين بهذا المرض الذي من شأنه أن يحصي كل المصابين بالبلاد، ويعرفنا بالتالي بالحاجيات والمتطلبات، مبرزا أن هناك بوادر في هذا الشأن من طرف وزارة الصحة والحماية الاجتماعية. وأضاف أن الجمعية المغربية للمصابين بالهيموفيليا تعمل على تهييء سجل خاص بها بدعم من الفيدرالية الدولية للهيموفيليا.

تحرير من طرف Le360 مع و.م.ع
في 16/04/2022 على الساعة 22:30