واستنادا إلى هذه الأرقام، تصف الجمعية الوطنية للتوعية ومحاربة داء السل، الوضع في المغرب بالمقلق، والذي يستوجب تضافر الجهود بين كل القطاعات الحكومية من أجل التصدي لهذا الداء.
وشكّل اليوم العالمي لمحاربة داء السل، والذي صادف 24 مارس، مناسبة في المملكة للتحذير من الخطورة الصحية والاجتماعية والاقتصادية لهذا المرض، الذي لازال يمثل تحديا كبيرا ومعقدا أمام قطاع الصحة في المغرب.
ووضعت وزارة الصحة المغربية مخططا استراتيجيا ممتدا بين عامي 2021 و2023، بهدف التقليص من نسبة الوفيات المرتبطة بالسل بنسبة 60 في المئة في أفق سنة 2023.
وتتوقع منظمة الصحة العالمية تسجيل المزيد من الإصابات والوفيات بهذا الداء بين العاميين 2021 و2025، بفعل جائحة فيروس كورونا، التي أثرت بشكل سلبي على المجهودات المبذولة في مجال التصدي لداء السل، في مقابل تركيز معظم الجهود على مواجهة الوباء.
تعفن بكتيري معدي
وينجم داء السل حسب أخصائيّ الصحة عن جرثومة تصيب الرئتين بشكل خاص وتتكاثر فيهما.
وترتفع نسبة الإصابة بهذا الداء لدى الأشخاص الذي يعانون من ضعف في جهاز المناعة أو نقص المناعة المكتسبة (الإيدز)، فيما تنتقل العدوى من شخص إلى آخر عبر الهواء.
وبحسب الدكتور جمال البوزيدي، رئيس الجمعية المغربية لمحاربة السل والأمراض التنفسية، فإن داء السل مرتبط بالأساس بضعف المناعة والتدخين، كما يرتبط أيضا بظروف الفقر والهشاشة، وينتج عن تعفن ناتج عن ما يسميه العلماء ببكتيريا "عصيات كوخ"، ويمكن أن يصيب جميع أعضاء الجسم مثل المخ والكلى والعظام، لكنه يصيب الرئتين بدرجة أكبر.
ويشير الدكتور الأخصائي في الأمراض التنفسية، في تصريح لموقع "سكاي نيوز عربية"، إلى أن نسبة العدوى بالسل مرتفعة جدا مقارنة بأمراض معدية أخرى، حيث يمكن لكل شخص مصاب أن ينقل العدوى لـ 15 شخصا آخر.
ويلفت البوزيدي، إلى أن 80 في المئة من الحالات المكتشفة في المغرب، تسجل في المدن الكبرى، وتخضع للعلاج المجاني لمدة لا تقل عن 6 أشهر، مع وجود حالات خطيرة لا تستجيب للمضادات الحيوية، حيث تكون الجرثومة قادرة على مقاومة الدواء.
ودعا البوزيدي، إلى ضرورة تكثيف الجهود واعتماد التشخيص المبكر من أجل كبح انتشار العدوى بالداء في المغرب، وذلك بالموازاة مع تحسين ظروف العيش والسكن والتغذية، وإحداث مستشفيات خاصة برعاية مرضى السل.
عوامل متداخلة
ومن أجل التصدي للوتيرة المتزايدة للإصابة بداء السل وخفض عدد الوفيات الناجمة عنه بالمملكة، طالبت الجمعية الوطنية للتوعية ومحاربة داء السل، بتفعيل البرنامج الوطني لمحاربة الداء، والخطة السريعة للتقليص من نسبة الإصابة به، مع وضع مخطط لتعزيز المراقبة الوطنية حول السل في المغرب إلى جانب توفير برنامج إلكتروني للمراقبة.
ويشدد حبيب كروم، رئيس الجمعية الوطنية للتوعية ومحاربة داء السل، على أنه لا ينبغي الاكتفاء بمخططات وزارة الصحة من أجل القضاء على السل، لأن ذلك الهدف مرتبط بمجموعة من المحددات الاجتماعية والاقتصادية والبيئية، إلى جانب عوامل عدة من ضمنها السكن غير اللائق، أو ضعف التهوية، أو التغذية غير المتوازنة.
وطالب كروم في تصريح لموقع "سكاي نيوز عربية"، بالعمل على تنسيق الجهود بين مختلف القطاعات الحكومية، بغية تحسين تلك العوامل، للقضاء على هذا الداء في المغرب، والذي يستهدف بالدرجة الأولى الفئات الهشة والفقيرة، ويطال الرجال بنسبة 56 في المئة من مجموع المصابين.
كما تساهم الكثافة السكانية حسب كروم، في "انتشار السل بعدد من المدن الكبرى وعلى رأسها الدار البيضاء والرباط، إلا أن القضاء عليه بصفة نهائية ليس بالأمر المستحيل، ولن يتحقق إلا إن توحدت جهود مختلف المتدخلين".
ارتفاع مقلق
ويؤكد كروم، على أن انتشار فيروس كورونا في الأشهر الأولى، ساهم بدوره في ارتفاع أرقام الإصابات بداء السل في المغرب، حيث انصب التركيز على التصدي للوباء، وتم تسخير معظم المرافق الصحية وقاعات الإنعاش لعلاج مرضى كورونا.
وأضاف أنه "في سنة 2016 سجل المغرب 26 ألف حالة إصابة بالسل، وفي ظرف 4 سنوات أصبح يسجل ما يزيد عن 30 ألف حالة، وهو ما يؤكد الوتيرة المتصاعدة والمقلقة لداء السل، حيث لازال يشكل تحديا ومعضلة صحية في المغرب، بالرغم من مجهودات وزارة الصحة".
ولم يفت كرم الإشارة إلى أن ميزانية البرنامج الوطني لمحاربة داء السل، تسجل عجزا يبلغ 37 في المئة، مع تأكيده على ضرورة إيلاء عناية خاصة لمرضى السل المصابين بالإيدز، والذي يسجلون أعلى نسبة من الوفيات.