رضوى لعلو، هي من مواليد مدينة الدار البيضاء، تمكنت من الحصول على شهادة الباكلوريا سنة 2014 بمعدل 16.30 قبل أن تشرع في الإعداد لمباريات ولوج سوق الشغل وكذا امتحانات المعاهد والمدارس العليا، حيث اجتازت عددا منها المتعلقة أساسا باختبارات الطب إرضاء لأسرتها -على حد قولها قيد حياتها-، وتفرغت بعدها للاستعداد لامتحانات المعهد العالي للمهن التمريضية وتقنيات الصحة لتصدم بعد ذلك بأن العتبة المحددة أعلى من معدلها، ما أدخلها في دوامة قلق وبكاء هستيري.
الأمل الذي كان يحدو المرحومة جعلها تحاول من جديد النهوض من صدمتها، مقررة الاستئناس بأحد المدارس بمدينة سطات إلى حين بزوغ فجر مباراة المعهد العالي للمهن التمريضية وتقنيات الصحة، من جديد، لتسجيل ترشيحها وانتظار الاعلان عن عتبة القبول، وبعد حوار خاص مع أحد الممرضين استطاع هذا الأخير إقناعها بأن تجتاز مباراة تخصص ممرض في التخدير والإنعاش.
ماهي إلا أيام حتى أعلن عن العتبة فكان لرضوى ما أرادت لتجد نفسها أمام فرصة لا تعوض لتتمكن بعد إعداد قبلي دام لأسابيع من النجاح في الامتحان والمرور إلى مرحلة التكوين ومنها نحو التخرج سنة 2018، وباشرت دورات تدريبية، شهريْ غشت وشتنبر، في مستشفيات عمومية بالعاصمة الاقتصادية للمملكة، لتخلد للراحة لمدة ثلاثة أشهر قبل أن تحصل على فرصة عمل داخل مصحة خاصة في يناير 2019.
وفي مارس 2019، اجتازت الفقيدة مباراة ولوج سوق الشغل بعد أن أعلنت وزارة الصحة عنها في مختلف جهات المملكة، محققة النجاح المنشود ليتم تعيينها لأول مرة كممرضة متخصصة في التخدير والإنعاش بالمستشفى الإقليمي بمدينة آسا الزااك، في ماي 2019، معلنة عن بداية مسار جديد في حياتها بعد أن كان حلما يراودها منذ الصغر الذي فقدت فيه والدها إثر حادثة سير مروعة هو أيضا، تاركا إياها وهي في سنواتها الأولى من الطفولة بمعية أخيها ووالدتها.
واستمرت رضوى في عملها بالشكل المعتاد لحدود 9 أشهر فكان يوم الثلاثاء 17 فبراير 2020 يوما أسودا في تاريخ أسرتها بعد أن لقيت مصرعها وهي تؤدي واجبها المهني على متن سيارة إسعاف كانت قادمة من آسا في اتجاه المستشفى الجهوي الحسن الثاني بأكادير، حاملة أيضا مريضة ووالدتها، فكانت النهاية مأساوية.
الصــــــــاعــــــقــــــة
وفاة نزلت كالصاعقة على أفراد أسرتها الصغيرة وعائلتها الكبيرة وعلى عموم زملائها في قطاع الصحة وكذا باقي المغاربة، الذين أعربوا في تدوينات مختلفة على مواقع التواصل الاجتماعي عن أسفهم وحزنهم لفقدان شابة في مقتبل العمر وهي تؤدي واجبها المهني، معتبرين ذلك خسارة كبيرة.
كوثر أضرضور، إحدى زميلاتها في العمل بالمستشفى الإقليمي آسا الزاك، خرجت بتدوينة على صفحتها الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك قائلة: "يتساءل الكثيرون، وبعيدا عن ملابسات الوفاة، لم خلف مقتلها كل هذه الضجة، ومن تكون يا ترى حتى ينعيها الجميع بحرقة وحتى يبكيها من يعرفها ومن لا يعرفها؟ عاشرتها منذ تعيينها في شهر ماي المنصرم وسرعان ما أصبحنا صديقتين وانضمت إلى مجموعتنا، رأينا منها من التضحية ما عجز عنه العديد من الزملاء، بالإضافة الى جوها الخاص الذي تضفيه كلما خرجنا معا..".
وأضافت أضرضور، قائلة: "ابنة الدار البيضاء أحبت بساطة آسا، ولم تتأفف من ظروف الحياة هناك رغم أنها أتت من مكان كبير للغاية، ومع ذلك كانت مقتنعة أن المواطن الآساوي يستحق أن يتداوى كما يجب.."، وعلى هذا النحو سار بقية أصدقائها ومعارفها سواء في العمل أو الحياة الخاصة.
من جانبها، بعثت وزارة الصحة بتعزية إلى أسرة الفقيدة، حيث أعرب خالد آيت الطالب، عن صدق مواساته للهالكة ولعائلتها باسمه الخاص ونيابة عن كل الأطر الصحية بالمغرب.
نــــزيــــف الـــنــــقــــل الـــــصــــحــــي
بالمقابل، عبَّرت النقابة الوطنية للصحة المنضوية تحت لواء الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، عن غضبها الشديد من تزايد عدد ضحايا الواجب المهني والوطني بسبب النقل الصحي للمرضى، مرجعة أسباب ذلك إلى غياب الإرادة السياسية لجعل الصحة أولوية وعدم توفير شروط العمل اللائقة للمهنيين وإنصافهم، مؤكدة أنه كان بالإمكان تفادي مثل هذه الحوادث، مطالبة في الآن ذاته بإجراء تحقيق لأخذ العبرة وفتح نقاش لتأطير النقل الصحي للمرضى.
وجرى نقل جثمان الراحلة إلى مسقط رأسها بالدار البيضاء، حيث سيوارى إلى مثواه الأخير، وسط حزن عميق في صفوف أفراد أسرتها ومعارفها.
جدير بالذكر أن سيارة إسعاف كانت تقل مريضة ووالدتها وكانت برفقتهما الممرضة رضوى لعلو، وانقلبت السيارة أمس الثلاثاء بمنطقة سيدي عبو باقليم اشتوكة آيت باها على مستوى الطريق الوطنية رقم 1 الرابطة بين تزنيت وأكادير، ما تسبب في مقتل الممرضة ووالدة المريضة، وإصابة هذه الأخيرة والسائق بجروح وُصفت بالخطيرة، نقلا على إثرها إلى مستعجلات المستشفى الجهوي الحسن الثاني بأكادير لتلقي العلاجات الضرورية.