شهادة صحافي عاين الدقائق الأولى لانفجار قنابل 16 ماي

أرشيف

أرشيف . DR

في 16/05/2014 على الساعة 10:52

تسلل خمسة إرهابيين من كاريان طوما محملين بحقائب جلدية بها متفجرات، ووزعوا الأدوار فيما بينهم، فقصد أولهم فندق فرح وآخر المقبرة اليهودية، وثالث مطعما إسبانيا، ورابعا مطعما إيطاليا، وخامس معهدا يهوديا.. وفجأة دوي انفجار هز البيضاء، وجعل المغرب يدخل نادي الدول المهددة بالإرهاب.

إنها شهادة صحافي عمل بجريدة الأحداث المغربية، وعاش ليلة 16 ماي بكل تفاصيلها، فعاين الدقائق الأولى التي تلت تسلل خمسة إرهابيين من كاريان طوما محملين بحقائب جلدية بها متفجرات، فقصد أولهم فندق فرح وآخر المقبرة اليهودية، وثالث مطعما إسبانيا، ورابعا مطعما إيطاليا، وخامس معهدا يهوديا.

ليلة لا تنسى أبدا بتفاصيل أوقفت الزمن و تسارعت فيها الأحداث حتى بزوغ نهار اليوم الموالي، وتعددت حولها الأخبار والروايات والإشاعات.. لكنها فتحت أعين الجميع عن إرهابيين جعلوا ليل البيضاء أحمرا.

كان ليلة مثل باقي ليالي البيضاء.. هواء عليل ينعش المارة بشوارع وسط المدينة.. فالزحام واختناق حركة السير بشارع الجيش الملكي اختفت، فأصبح الفضاء يغري بالمشي، وغير بعيد عن الشارع كان ثلة من الصحافيين شاءت الأقدار أن يوجدوا قرب المنطقة.

فجأة دوى صوت انفجار قوي، فتوقفت الدماء في العروق وساد صمت رهيب اعتاد كل الصحافيين والكتاب تشبيهه بالصوت الذي يسبق العاصفة.

صدى الصوت بدا غريبا رغم ترجيح احتمال انفجار قنينات الغاز، فلا أحد اعتقد أن مدينة تتعرض إلى هجوم إرهابي، باستثناء بعض الصحافيين وعلى رأسهم رئيس تحرير جريدة الأحداث المغربية آنذاك عبد الكريم الأمراني الذي نشر قبل أيام من الحادث منشورا وزع في المساجد ويدعوا إلى "الجهاد ضد الكفرة". فهل صدقت نبوءة عبد الكريم الأمراني؟

تحول كل الصحافيين إلى أشبه بعدائي المسافات الطويلة، يهرولون في اتجاه صوت الانفجار، وأنفاسهم تكاد تختنق من سماع دوي انفجارات أخرى.

فندق سفير كان مصدر الانفجار الأول.. ركام من الاسمنت وشظايا من الزجاج وواجهة دمرت عن كاملها، وأشلاء جثة حارس الفندق..في تلك الأثناء اختلط الرعب بالخوف بالذهول، ولا أحد أدرك حقيقة ما حدث باستثناء بعض الأشخاص الذين طاردوا انتحاريا جبانا نجا من الموت وبسرعة ألقي القبض عليه وسلم إلى أول رجال الأمن الحاضرين.

بدأت أفواج رجال الأمن تلتحق بالمكان، فحضر والي المدينة آنذاك بوشعيب ارميل، وحضر مستشار الملك فؤاد عالي الهمة وشخصيات أمنية.

استعاد الأمن بسرعة زمام المبادرة، بعض فترة ذهول، وتقاطر مئات الأشخاص من المناطق المجاورة لمعاينة المشهد، وكل يروي حكاياته ومشاهده مثل فيلم رعب حقيقي.

لم يكن فندق سفير، فرح حاليا، المستهدف وحده فقد وصلت أنباء عن استهداف خمسة أماكن بالعاصمة الاقتصادية، فغير بعيد عن الانفجار الأول استهدف ارهابي المقبرة اليهودية بوسط المدينة القديمة.

دامت الرحلة إلى المقبرة دقائق قليلة وسط جموع من السكان واختفاء كلي للسيارات، وهناك بدا أن الحشد قليل مقارنة مع باقي المناطق الأخرى، فلا أحد أدرك مغزى استهداف مقبرة أقفلت أبوابها منذ سنوات.. إنه لغز الإرهابيين والذي لم تجب عنه كل التحقيقات الأمنية فيما بعد.

في المقبرة اليهودية توفي 3 من عابري سبيل، بعدما ضغط الإنتحاري على جهاز التحكم في العبوة الناسفة، وخلف وراءه صراخ وعويل الأسرة الثكلى، إضافة إلى انهيارات جزئية في بعض المنازل المحيطة بها.

بشاعة الجريمة تمثلت في المطعم الإسباني، ولا تحتاج إلى رواة ينقلون تفاصيلها، فقبل الاقتراب كثيرا من المطعم بدت أشلاء الضحايا على الجدران المحيطة بالمطعم، وشرع رجال الوقاية في جمع الجثث، فالإرهابيون قتلوا الحارس "Casa de España" بالسكين، ثم اندفعوا داخل المبني وفجروا أنفسهم في الزبائن مخلفين وراءهم 20 جثة.

لا أحد استطاع الصمود كثيرا أمام هول الجريمة، فكان الاتجاه إلى المكان الثالث وهو المركز الاجتماعي اليهودي في المدينة الذي لم يصب فيه أحد لأن المركز كان مغلقا وقتئذ. وعلى بعد أمتار قليلة منه فجر آخر مطعما إيطاليا قاتلا رجلي شرطة.

في جميع تلك الهجمات قتل منفذوا الإرهابيون 12وتوفي 31 مدنيا ورجلي شرطة معظمهم مغاربة من بينهم 8 أوروبيين (بينهم 3 أسبان)، في حين اعتقل إرهابيين.

لا أحد نام تلك الليلة، فالأحداث المتسارعة فرضت البحث عن التفاصيل، وفي الوقت الذي لجأ رجال الأمن إلى تفجير عبوة تعطلت قرب فندق فرح، كان الخبر أصبح رئيسيا في كل وكالات الأنباء العالمية، بالمقابل كانت التحقيقات جارية مع الإرهابيين الناجين الذين خلفوا وراءهم مآسي إنسانية مؤلمة.

في 16/05/2014 على الساعة 10:52