وقالت الصحيفة، في تقريرها أنه 24 من يوليوز الماضي، شوهدت أنثى حوت الأوركا، والتي يطلق عليها العلماء "تاهليكوا"، وهي تسبح قبالة شواطئ مدينة فانكوفر الكندية، وكانت تحمل جثمان صغيرها المتوفى، الذي لم يمض على ولادته سوى ساعات قليلة.
وسبحت أنثى الحوت في مياه المحيط الهادئ قبل أن تنتهي رحلتها الحزينة بترك جثة صغيرها لتسقط في أعماق المحيط، وتجدر الإشارة إلى أن هذه تعد أول حالة ولادة لحوت الأوركا هذه السنة، ولم يتمكن العلماء حتى الآن من معرفة سبب الوفاة.
وأفادت الصحيفة أن أنثى الأوركا ظلت تحمل جثة صغيرها الميت لمدة 17 يوما، وكلما كانت تنزلق الجثة من فوق ظهرها، كانت تعيدها مرة أخرى، وأكد العلماء أن سلوك الأم خلال تلك الفترة كان واضحا بأنها تودع صغيرها، وكانت حزينة بالفعل.
ولم تكن تلك الحالة الأولى التي تحمل فيها أنثى الأوركا جثة صغيرها فوق ظهرها لأيام طويلة، بل تعتبر هذه رابع حالة مسجلة، ومنذ سنة 1978 وحتى سنة 2016، سُجلت نحو 78 حالة لتفاعل ثدييات بحرية مع وفاة صغيراتها بطريقة غريبة.
ففي التاسع من يونيو 2016، وثق عالم البحريات الإيطالي، جيوفاني بيراتزي، ما فعله الدلفين المخطط في خليج مدينة كورنث اليونانية، وحاول الدلفين دفع جثة دلفين آخر، كانت تطفو فوق سطح الماء، إلى الأسفل باستخدام فمه، وعندما شاهد هذا الدلفين قاربا يحمل مجموعة من العلماء قادما باتجاهه، ظل يدفع الجثة بعيدا عنه.
وتساءل الباحثون حول السبب الذي دفع الدلفين للقيام بهذا التصرف، فهل حاول أن يحضر الجثة إلى مكان آمن؟ أم هل يعتبر هذا التصرف تعبيرا عن وداعه لأحد أفراد فصيلته؟
وذكرت الصحيفة أن أستاذ علم النفس البريطاني، جون أرتشر، وصف الحزن بأنه "عجز اجتماعي وعاطفي ناجم عن انكسار أحد الروابط الاجتماعية أو الأسرية"، وكلما كان الرابط قوياً، كلما زاد الحزن، في الحقيقة، ينطبق التعريف السابق على البشر، حيث يؤدي الحزن عند البشر أحياناً للشعور بالخمول والإحباط وفقدان الشهية، والانسحاب من أماكن التجمعات، ولكن، يبدو أن تلك الأعراض تظهر على بعض أنواع الحيوانات أيضاً.
وتشير بعض الدراسات إلى أنه لا يمكن وصف ما يفعله الحيوان عندما يفقد قريبا له، سوى أنه يشعر بالحزن، مثلما حدث مع تاهليكوا، التي حاولت مراراً وتكراراً منع جثة صغيرها من السقوط في قاع المحيط، وتكرر ذلك الفعل مع الغوريلا "غانا" في حديقة حيوان "ألفيلترزو" في مدينة مونستر الألمانية، حين ظلت تحمل جثة صغيرها لمدة أسبوع كامل فوق ظهرها، بعد أن توفى بعد ولادته بأيام قليلة.
وأوردت الصحيفة أن هناك حالات أخرى وثقت هذا التصرف الغريب للحيوانات، ففي سنة 2003، ظلت ثلاثة قردة من فصيلة "الشمبانزي" في غينيا تحمل جثث صغارها لفترات طويلة، فمنهم من حملها 19 يوما، ومنهم من حملها 27 يوماً، أما أطول فترة سجلت فكانت 68 يوماً، وفي دراسة أجريت سنة 2009، تم توثيق 157 حالة من قردة المكاك اليابانية، والتي ظلت تحمل جثث قردة من الفصيلة نفسها لمدة تزيد عن يومين.
وأضافت أنه حسب ما ذكرته الباحثة السلوكية، يوليا ريدل، فإن تشابه ردود الفعل بين الثدييات البحرية والقردة ليس صدفة، وقالت ريدل إن "عمر هذه الحيوانات يمتد لسنوات طويلة، وتعيش في أنظمة اجتماعية معقدة، وتتواصل مع بعضها، وغالباً ما تكون هذه الحيوانات ذكية، وتمتلك من المميزات ما يجعلها تنشئ علاقات فيما بينها".
وأشارت الصحيفة إلى أن توثيق حالات حزن الحيوانات حتى الآن حدث من قبيل الصدفة أثناء مراقبة سلوكها العام، ولم يكن موضوع دراسة، ولكن سنة 2006، ذكرت الباحثة المختصة في دراسة القردة، آنا إنغ، أنها سجلت ارتفاع معدل الهرمون القشري السكري عند أحد قردة بونوبو عند وفاة قريب له، ومن المثير للدهشة أن ذلك نفسه يحدث للإنسان عند وفاة شخص قريب.
وحيال هذا الشأن، أكدت الباحثة السلوكية، ريدل، أنه من الصعب في الوقت الحالي تحديد سلوك موحد تقوم به الحيوانات عند الشعور بالحزن، يجعلنا نتعرف بسهولة على شعورها، ولكن، يتصرف كل حيوان بطريقة مختلفة عن الآخر، على غرار ما يفعله الإنسان، وحتى تشابه سلوك بعض الحيوانات عند فقدان أحد المحيطين بها، لا يمكن تعميمه.
وأبرزت الصحيفة أنه يجب دراسة ردة فعل الشعور بالحزن عند بعض الحيوانات، وخاصة عند وفاة فرد وسط مجموعة، لمعرفة الدور الذي يقوم به باقي أفراد المجموعة، وحتى الآن، لم يتم توثيق ردود الأفعال الحزينة سوى عند حيتان الأوركا والدلافين والقردة العليا والفيلة.
وفي الواقع، تتعامل الفيلة بطريقة مذهلة مع موتاها، ففي فبراير 2017، مات أحد الفيلة في منتزه تشوبي الوطني في بوتسوانا، فأحاط بجثته مجموعة من الفيلة، التي أخذت تمسح بخرطومها فوق الجثة ببطء وحذر.
وفي حالة أخرى، قامت الفيلة بتغطية الجثة بأوراق الشجر، في إشارة لتأبينه، وفي أحيان أخرى تحاول بعض الفيلة رفع الجثة في الهواء، والدفاع عنها ضد الحيوانات المفترسة.
ويقول الباحثون في سلوك الحيوانات إن الفيلة تعتبر الحيوانات الأكثر تأثراً بفقدان قريب لها، وعموما، يجب دراسة شعور الحزن لدى الحيوانات كل على حدة، فحتى الآن، تظهر بعض الحيوانات ردود فعل محددة عند موت حيوان آخر من الفصيلة نفسها، ولكن في الوقت ذاته، هناك مجموعات أخرى من الفصيلة ذاتها تبدي عدم الاكتراث لموت أفراد من عائلاتها.
وقالت الصحيفة إن ما يميز الإنسان عن باقي الكائنات هو أنه يتخيل ما بعد الموت، وهو الكائن الحي الوحيد المدرك لوجود حقيقة الموت، وربما تكون تلك هي الصفة الوحيدة التي تجعلنا مختلفين عن الحيوانات في التعامل مع الموت.