المثير في حكاية البيضاء مع اختناق حركة السير أن جميع المسؤولين في المدينة يعترفون بالأزمة، لكنهم عاجزون عن العثور على الوصفة السحرية لحلها، فالترامواي "التهم" الشوارع الكبيرة، والطرق تؤثتها الحفر، دون الحديث عن باقي البنيات التحتية المهترئة، مثل الإشارات الضوئية. فماذا حدث للبيضاء حتى تحولت، في كل الأوقات، إلى مدينة تثير الأعصاب؟
لا أحد يملك الجواب، لكن ما يُجمع عليه المكتوون بنار "الطرق" أن المسؤولين عن تسيير المدينة حيارى أمام الفوضى التي تعمها، فعمدة المدينة يعترف، بتلقائية، بمعاناة ومشاكل البيضاويين في التنقل بسبب "الترامواي" وأشغال الطريق السيار، وما سببه ذلك من اختناق وعرقلة كبيرة لحركة السير بالعاصمة الاقتصادية.
ولا يخلو شارع في المدينة من اختناق حركة السير، وما زاد الطين بلة هو إنجاز الترامواي الذي أتت سكته الحديدية على ما تبقى من الشوارع الضيقة أصلا، دون الحديث عن آثار عمليات الحفر والجرف والتبليط وإعادة التبليط، ف"لعنة" تبعات الترامواي تؤرق البيضاويين، وتقبر أحلامهم بالتخفيف من حدة الاكتضاض.ورش مفتوحتكفي جولة سريعة في شوارع المدينة للوقوف على حجم معاناة البيضاويين، ولا يهم توقيت الزيارة أو مكانها ما دامت نار الفوضى تكوي الجميع، سواء خلال أوقات الذروة أو طيلة ساعات الليل والنهار، حينها يتحول السير في المدينة إلى جحيم لا يطاق، فهناك اختناق لحركة السير، والأبواق التي تصم الآذان، والإشارات المرورية المعطلة، ورجال الأمن المغلوب على أمرهم العاجزين عن مواجهة جحافل السيارات.
ولأن البيضاء عبارة عن ورش مفتوح طيلة السنة، فلا تتعجب من مشاهد الأتربة في كل مكان تقريبا، والحفر التي تشبه الآبار تسقط أكبر السيارات حجما في أعطاب خطيرة، وحواجز شركات الإنارة والاتصالات الهاتفية التي تعتذر عن الأشغال المؤقتة، قبل أن تتحول إلى دائمة، مما أدى إلى إغلاق بعض الشوارع بصفة نهائية في وجه السيارات، دون الحديث عن الفضاءات المخصصة لركن العربات التي أصبح العثور عليها بمثابة إنجاز يستحق وسام الشجاعة والصبر.
وأمام استفحال هذه الوضعية أصبح من الصعب التزام بوقت محدد أو العثور على وسيلة نقل تقل الموظفين والعمال، فسيارات الأجرة بحجميها المتوسط والكبير ترفض نقلهم إلى بعض الأماكن والحافلات مكتضة عن آخرها، والترامواي يفرض سرعة السلحفاة عليهم، حينها يضطر بعضهم إلى استخدام النقل السري أو الدراجات النارية الخاصة.
معاناة وفوضى
لو قدر تصوير البيضاء من الفضاء لبدت مثل مدينة أصيبت سياراتها بالحمق، فلا وجود لحركة سير عادية، بل الفوضى والاكتضاض ورجال الأمن الحائرين، في حين مازال المسؤولون في مجلس المدينة يتحدثون عن مشاريع مستقبلية وبرامج لتنظيم حركة السير والجولان أثبتت كل السنوات فشلها، فالترامواي لن يستطيع وحده حل الأزمة، ما دام إصلاح الطرقات وبناء ممرات وقناطر غائب عن مدينة تختنق يوميا. لكن ما الحل؟
يكفي زيارة مجلس مدينة البيضاء للوقوف على حجم الدراسات والوثائق التي تتحدث عن حركة السير وطرق مواجهتها، لكن للأسف بقيت حبرا على ورق، ففي كل مرة يتعذر المسؤولون عن المدينة بأسباب واهية للتخلص منها داخل سلة المهلات حتى أصبحوا، الآن ، يشتكون بدروهم من "بلوكاج" ويتنبؤون باستمراره.