أمام محطة القطار بمدينة فاس كانت الساعة تشير إلى الثالثة صباحا، درجة الحرارة منخفضة جدا، حين خرجت سناء من باب المحطة مع الأفواج التي لفظها القطار. سناء فتاة في الثالثة والعشرين من العمر، تتابع دراستها بأحد المعاهد الكبرى بطنجة، وترغب في دفء منزلها القريب من المحطة، لكن الليل والبرد لا يغريان بالمشي، حينها تقدمت نحو إحدى سيارات الأجرة، فسألها السائق الواقف إلى جانب عربته عن وجهتها، وحين أخبرته رد عليها بأن العنوان ليس في الطريق الذي سيسلكه، ثم اتجه وهو يصيح باسم حي سكني كبير وبعيد عن المحطة. بقيت سناء في المحطة يتقاذفها سائقو الطاكسيات قرابة ساعة لتصل إلى منزلها الذي يبعد 15 دقيقة مشيا على الأقدام.
سناء ليست الوحيدة التي تعاني في كل مرة تريد أن تستقل سيارة أجرة من أمام محطة القطار، علما أن فاس ليست المدينة الوحيدة التي تعم فيها فوضى المواصلات أمام مثل هذا المرفق الحيوي، فالدار البيضاء والرباط وطنجة كلها مدن تضطر فيها إلى تحمل شروط سائقي الطاكسي إذا رغبت في الوصول إلى وجهتك. أمام محطة "الوازيس" بالدار البيضاء خرج محمد رفقة ابنيه ليستقل سيارة أجرة، وحين طلب من أحد السائقين الذين يتكدسون أمام المحطة أن يوصلهم إلى وجهتهم طلب منه الأخير أن يدفع الأجرة على كل راكب على حدة. وحين رفض الأب أن يدفع أكثر مما يقره العداد لرحلة واحدة ما كان من سائق سيارة الأجرة إلا أن رد ببرود: “ما غاديش".
أما محطة "الدار البيضاء الميناء" فقد تحول بابها إلى سوق يتكدس أمامه المنادون السائقون الذين يفرضون على الزبناء وجهتهم، وإذا أسعفك الحظ وتصادف طريقك مع هوى السائق، فعليك أن تستقل السيارة وتنتظر إلى أن ينتهي من "حصة الصراخ" واكتمال العدد.
الفيدرالية الوطنية لمهنيي النقل
وبخصوص هذه الظاهرة، يقول مصطفى الكيحل، أمين عام الفيدرالية الوطنية لمهنيي النقل عن موقف الفيدرالية من الفوضى التي يحدثها بعض السائقين، "من حق المواطنين تقديم شكاوى في حق من يرتكب مخالفات من هذا النوع، القانون واضح وليس من حق أحد خرقه، والمسؤولون عن مثل هذه الممارسات لا يمثلون مهنيي النقل، وطالبنا في اجتماع مع والي أمن الدار البيضاء تخصيص دوريات أكبر لتعزيز المراقبة وضمان السير العادي للعمل دون جدوى.
لكن بالمقابل نحمل المسؤولية كذلك للإدارات المعنية، فلحد الآن ورغم الاجتماعات العديدة لم يتحقق أي من الوعود التي قدمت للفيدرالية، فهناك مشاكل حقيقية يعاني منها قطاع سيارات الأجرة، خصوصا في الدار البيضاء، إذ هناك غياب لمحطات الطاكسي أمام محطات القطار التي من المفروض أن توجد بها مراكز للمراقبة، كما أن الوضعية الاجتماعية للسائقين تدفع بعضهم إلى مثل هذه الفوضى، إضافة إلى الازدحام الذي تعرفه المدينة والذي يكبد السائقين خسارة في مدخولهم اليومي. ولو أن القطاع كان مهيكلا كما يجب وقامت الإدارة بعملها لما واجه السائقون والمواطنون هذا النوع من المشاكل".
ويشتكي الكثير من المواطنين من الممارسات الفوضوية لسائقي سيارات الأجرة أمام محطات القطار، في ظل شبه غياب تام للسلطات المعنية، فيضطر المسافرون إلى تحمل شروط السائقين المجحفة في سبيل الوصول إلى وجهاتهم، خصوصا أن باقي وسائل النقل العمومية لا تشجع على الاستعمال، كما أن ركوب الحافلة مشكل حقيقي بوجود حقائب، وفي انتظار أن تتدخل السلطات وتفرض النظام المفقود، ليس أمام الركاب سوى الالتزام بقانون الطاكسيات.