جريدة الأخبار سلطت الضوء على ليلة 29 فبراير 1960، والتي صادفت أحد أيام شهر رمضان الكريم، ليلة قرر فيها البعض السهر في الشارع إلى حلول موعد السحور، وآخرون فضلوا البقاء في منازلهم التي انهارت على رؤوسهم في 15 ثانية وهي مدة الزلزال، وتركت الناجين منهم يعانون لمدة سنوات من الأحلام المزعجة، وشردت العديد من الأسر، وجعلت الكثير من الأطفال ينتقلون إلى فرنسا وبلجيكا لإعادة التأهيل.
هول ما حدث لم يمنع بعض منعدمي الضمير، من التجول بين الجثت والأنقاد، لحمل كل استطاعوا حمله، وأغلبهم كان يستمع إلى أنين الضحايا دون أن يكلف نفسه مده يد المساعدة، وظهرت عصابات كثيرة متخصصة في سرقة الأبواب الخشبية والنوافذ، وإعادة الاتجار بها في مدن مثل مراكش وتارودانت وحتى تزنيت التي كانت في طور البناء حينها.
كان منعدمي الضمير يختارون حيا معينا، ثم يعملون على فك إطارات الأبواب والنواقذ والخزانات الخشبية وحتى بقايا الأثاث المنزلي وبيعه من جديد في أماكن أخرى بعد تنظيفه وترميمه وإصلاح ما يمكن إصلاحه، إضافة لهؤلاء كان هناك أباطرة أسلاك الكهرباء والهاتف والذين حققوا أرباحا وكبدوا الدولة خسائر مضاعفة، حيث أنهم رغم مرور شهور على الزلزال ظلوا يبحثون عن خطوط الهاتف وأسلاك الهاتف وأسلاك الكهرباء باحترافية ويخرجون الأسلاك من بين الركام ويعيدون بيعها لجهات معينة بأثمنة رمزية، جاهلين ثمنها الأصلي.
جريدة الأخبار نشرت قصة أحد أغنياء أكادير الحاليين، الذي كان حمالا ليتحول بعد الزلزال إلى أغنى أغنياء المدينة، بعد أن استغل انشغال الجنود والمسعفين بإنقاد الضحايا، واستولى على ممتلكاتهم بدون أن يمد يده للساعدة، رغم سماعه أنينهم وتلاوتهم للشهادة تحت الأنقاض، معللا الأمر أن ليس لديه الوقت ولا الجهد لإنقادهم وحمل أطنان الإسمنت من فوقهم.
المساء نشرت هي الأخرى تفاصيل لا تقل جرما عن جريدة الأخبار، فهناك روايات عديدة عن أشخاص تحولوا بقدرة قلة الإيمان والإنسانية إلى أغنياء يعيشون حياة الرفاهية المليئة بأنين الضحايا، منهم حارس ليلي تحول مدير شركة بعد أن ضرب الزلزال وهو بالقرب من بنك المغرب، ليجد نفسه وسط دهاليزه ووسط كومة من الأوراق النقدية وصفائح الذهب، حينها اختفى لتعتقد عائلته أن فارق الحياة، ليعود من جديد وتحت طياته ثروة لا تحصى، ليتحول إلى رجل أعمال بعد أن استثمر "أمواله" التي نالها من عرق "أصابعه"، وأصبح صاحب مصنع لتركيب الحافلات والسيارات والشاحنات، وحين يسؤل من أي لك هذا، يحكي قصصا عن عصاميته ونضاله الشريف في القفز على سلم النجاح.
ومن بين الحكايات التي روتها المساء، قصص ممرضين استفادوا من الزلزال بأبشع الطرق، وأصبحوا أغنياء على ظهور ألم الضحايا، فبدل مد يد العون تحولوا إلى لصوص يسرقون ممتلكات الموتى، وقصص كثيرة عن مساعدات غدائية لم تصل للضحايا، إذ لم تسلم من السرقة هي الأخرى، وقصص عن لصوص جاؤوا في صفة مساعدين ومنقدين دوليين، وهم أساسا لصوص يحترفون السرقة.
أغنياء الدم..
هي قصص كثيرة نشرتها الجريدتين، وفي كل قصة يطرح السؤال، هل هؤلاء الأغنياء اللصوص الذين يستعرضون ثرواتهم أمام الملأ، لم يعيشوا مع تأنيب الضمير طيلة نصف قرن؟، أم أن الغنى الفاحش أنساهم أنين وصراخ الضحايا تحت الأنقاد؟، هل العيش في رفاهية سبب كافي لينعدم ضميرهم ويصموا أذانهم ويجتهدون في التنقيب بين الأنقاض عن المال والذهب بدل أن الأرواح؟.
الأكيد أن هؤلاء الأغنياء اللصوص ورثوا أبناءهم وأحفادهم الملايير، لكنهم أيضا ورثوهم عار الإنتماء إلى تلك الأسر التي بنت مجدها على الدماء.