إلى حدود الرابعة والربع، ورغم أن الوضع ظل متحكما فيه بخطة أمنية لم تترك شيئا للصدفة، إلا أن نفرا من الناس انسل من شارع محمد بن عبد الكريم الخطابي، عددهم لم يكن يفوق العشرين، فصار العشرون مائة وصارت المائة مائتين، إلى أن صرنا أمام وقفة احتجاجية عفوية، بدأت بشعارات السلمية وانتهت بالمناوشات والمطاردات.
دقائق بعدها، تدخل ضابط من الأمن الوطني، مستعملا مكبر صوت قرأ فيه على مسامع المحتجين الفصول القانونية التي تمنع المسيرات غير المرخص لها، والعقوبات التي تقابل أي خرق للمنع.. أعاد الكرة ثلاث مرات، فلم يكن من خيار للعناصر الأمنية سوى تفريق المحتجين، الذين انتشروا جماعات صغيرة في الأزقة الموازية لشارع الخطابي.
تزامنا مع ذلك، كان المئات من المصلين يؤدون صلاة العصر، فعززوا ركب المتظاهرين الذين أصبح التحكم فيهم يصعب شيئا فشيئا.
المسيرة انطلقت عفوية دون تحديد مكان وزمان انطلاقتها، فلم يعتقد الجميع أن تستنسخ الوقفة إلى وقفات هنا وهناك، بلغ عددها ثمانية، فحاولت كل وقفة الالتحاق بالأخرى للتجمع قرب ساحة صخرة النكور. أما القوى الأمنية فكانت تقف بالمرصاد لكل محاولة للتوحيد بين المسيرات، وهو ما حذا بها إلى استعمال قنابل صوتية وغازات مسيلة للدموع، دون تسجيل، لحد الساعة، أي احتكاك مباشر بين المتظاهرين والأمن.
تصوير ومونتاج: عادل كدروز
في حدود الساعة السادسة، وأثناء تفريق تجمع لا متناهي، استفرد بعض المتظاهرين برجل أمن فنال نصيبه من الرفس، لينقذه زملاؤه، فأعطيت شرارة احتكاك عنيف أدى إلى اعتقال بعض المتظاهرين، بعد أن تم تقاذف بعض المزهريات التي كانت تزين واجهة إحدى المقاهي.
ورغم إصرار المتظاهرين على سلمية الاحتجاجات، فهذا لم يمنع تعنيف صحفي ومصور القناة الثانية، اللذين لم يرق وجودهما للمحتجين، فطردا إلى الزقاق الموالي بعد أن نالا ما تيسر من ركلات طائشة.
بلغ مؤشر الساعة السابعة مساء، ولا زال نفس المشهد الذي انطلق قبل ثلاث ساعات يتكرر: محتجون هنا وهناك وعمليات كر وفر وبعض اللحظات التي سجل فيها انفلات بين المحتجين، ولا تلوح في الأفق بوادر للتفريق النهائي للمحتجين، إلى أن ينال التعب من المحتجين فيتلاشوا.