قال حسن البصري، صاحب البورتريه، إن سيرة عمر التيسير تستحق أن تدرس لطلبة الاقتصاد في أكبر المعاهد والجامعات، لقد امتلك، منذ طفولته، حسا تجاريا متطورا، واختار البحث عن مسالك للحياة في منطقة حاحا الوعرة. وشق الفتى طريقه بعناد غريب، وضع أمامه هدفا وسار إليه ركضا دون أن يلتفت إلى الوراء.
بدأ مشواره بائعا للبيض بالتقسيط، وبعد سنوات أصبح مشروع مقاول، ومع إشراقة شمس كل صباح يزحف عمر نحو الثراء، لكن زحفه ظل بعيدا عن الأضواء وعن السياسة.
قيل الكثير عن عمر "نص بلاصة"، حسب البصري، ونسج الكثيرون حكايات تتداخل فيها الحقيقة مع الأسطورة، وحين مات وقف الجميع أمام شاهد قبره بمقبرة الشهداء لتأبين رجل عصامي بنى ثروته من عرق الجبين، قبل أن ينسحب في هدوء، دون أن يكون للحكاية تتمة في عالم المال والأعمال.
وقالت الجريدة إن عمر ولد ولد بأحد دواوير تمنار "حاضرة" منطقة حاحة، وشمر مبكرا على ساعد الجد.. وفي سن 12 بدأ حياته في عالم "بيزنيس" بفكرة جهنمية أعفى من خلالها نساء الدواوير من التنقل إلى السوق، إذ كان يشتري منهن ما جمعنه من بيض، دون أن يسلمهن مقابل البضاعة، لكن الفتى كان عملته "الكلمة" فأسس علاقة ثقة مع محيطه.
ظل عمر يتنقل، حسب الجريدة، بين الدواوير مشيا على الأقدام متحديا ظروف الطبيعة، بل إن أصل اللقب الذي التصق به في حياته يعود إلى إصراره على التنقل بين حافلات نقل المسافرين، دون أداء الثمن الكلي للتذكرة، حيث يكتفي لصغر سنه بأداء نصف الثمن، ما جعل سائقي ومحصلي الحافلات يلقبونه ب"عمر نص بلاصة".
اشتغل بعذ ذلك في الأحجار بعد علمه أن شركة فرنسية تحتاج إلى كمية من الأحجار المكسرة لاستعمالها كأسس لبناء الطرق ورفض الالتحاق بها كعامل، ثم شاءت الأقدار أن يؤسس مقاولته الصغيرة ويقتني عتادا بسيطا وشاحنة ويقرر الاشتغال في بعض المشاريع الصغرى، وحين أصاب الزلزال مدينة أكادير انخرطت شاحنته وجرافته في إزاحة أكوام التراب والإسمنت إلى جانب الجيش الملكي، ثم انطلق في إعمار المدينة، مما جعله يحقق أرباحا خيالية ويحظى باستقبال ملكي حين سمع الحسن الثاني بجدية عمر ودوره الكبير في استبدال الغم بالفرح، ومنذ ذلك الحين ارتفعت أسهم الرجل الذي اشترى أسهم شركة فرنسية، واقتحم مجالات أخرى أغلبها "مكاتب" تابعة للدولة على غرار المكتب الشريف للفوسفاط والمكتب الوطني للماء والكهرباء والمكتب الوطني للسكك الحديدية..
إعجاب الحسن الثاني ب"نص بلاصة" تُرجم بمشاريع كبرى لمقاولة "الحاج"، فنافس كبريات الشركات الفرنسية، بل فوت له الملك الحسن الثاني مشاريع خارج المغرب، فبنى في العاصمة الغينية جامعها الكبرى، كما بنى الجامع الكبير بدكار، إضافة إلى مشاريع أخرى بالغابون.
ولم يقتصر مجال اشتغال مقاولات عمر على الطرق والمساجد، بل ساهم في بناء المركب الرياضي الأمير مولاي عبد الله، لكن بسواعد صينية.
قصص العصاميون
إذا كانت قصص الفقر في المغرب تعتبر حكايات عادية بالنسبة إلى المغاربة، فإن قصة الثروة جديرة بالمتابعة، خصوصا حين تقترن بالعصامية الذين يقتحمون عالم المال بسواعدهم، دون الاستعانة بنفوذ الأسرة أو ثروتها.
العصاميون عادة ما تسلط عليهم الأضواء و"نص بلاصة" ليس إلا أحد هؤلاء، فهو لم يختر العصامية ك"أسلوب حياة بطريقة طوعية، بل بالمجازفة والسهر والمحاولات المتكررة، فالعصاميون يتبعون نداء في داخلهم لا يعرف مصدره، قد يكون جينيا".