عبد المجيد تبون.. رئيس بدون موهبة لوهم اسمه «الجزائر الجديدة»

Montage: Abdelmajid Tebboune, auquel les auteurs du livre "le mal algérien" ont consacré de nombreuses pages.

صورة مركبة: عبد المجيد تبون الذي خصص له مؤلفو كتاب "الداء الجزائري" عدة صفحات

في 31/05/2023 على الساعة 07:00, تحديث بتاريخ 31/05/2023 على الساعة 07:00

«الداء الجزائري». لا يمكن للمرء أن يجد عنوانا أفضل للكتاب الدي أصدره جون لويس ليفيت وبول توليلا، وهما خبيران فرنسيان غاصا في قلب العديد من الأمراض التي ابتليت بها الجزائر، منذ إنشائها في عام 1962 حتى الإعلان الأجوف لما يصفه الرئيس تبون بـ »الجزائر الجديدة ». خصص مؤلفا الكتاب العديد من الصفحات لتبون المهووس بالانتخابات الرئاسية، وكذلك لوعود الإصلاح التي هو أول من لا يؤمن بها.

في هذا التحليل العميق لبلد ينخره الفساد، حيث تختلس ثروته من قبل الجماعات المتعاقبة على السلطة، يحتل عبد المجيد تبون مكانة بارزة، وهو الذي لم يتوقف منذ توليه الرئاسة عن محاولة إقناع مواطنيه بإرادته في القيام بـ »ثورة صناعية » ووضع حد للفساد.

لكن كيف يمكن إقناع شعب فاقد للأمل، على وشك الانفجار، والذي عبر الحراك الشعبي عن مطالبه وانتظاراته ورفضه لممارسات الطغمة الحاكمة المتنفذة؟ كيف يمكن إقناعه بالشعار الأجوف « الجزائر الجديدة » الذي يطبل له عبد المجيد تبون؟ وجد الرئيس الجزائري شماعة يعلق عليها فشله وعدم قدرته: الإدارة الجزائرية.

البحث عن أكباش فداء وهميين

منذ تعيين عبد المجيد تبون في أعلى منصب في الدولة، أكثر من التدخلات العنيفة في حق الإدارة الجزائرية. الخطب العنيفة، التي تنقلها الصحافة المتملقة للشخص الذي تقدمه كرئيس «في جميع الجبهات»، منخرط في «سباق مع الزمن»، في محاولة للقضاء على البيروقراطية.

وبمناسبة هذه الخطب التي هي أقرب إلى لائحة الاتهام، استمر عبد المجيد تبون في إصدار التهديدات والتنديد بـ »العوائق المتعمدة التي تخضع للحسابات السياسوية». ويستنكر الفساد المستشري في كل مكان، والعرقلة على جميع مستويات الدولة للمشاريع الاستثمارية التي يبلغ عددها بالمئات. بل إن الرئيس الجزائري يذهب إلى حد وصف معوقات إطلاق المشاريع بأنها « جرائم ضد الاقتصاد » و «مؤشرات على انحدار كبير »، مذكرا إلى أي مدى « تعتمد الجزائر على مساهمة الصناعة في إقلاع وتنويع اقتصادها».

بالتالي فإن كبش الفداء تم تحديده: الإدارة الجزائرية « المتحجرة »، التي « أفرزت وحدها اقتصادا مافيوزيا »، والتي هي مسؤولة عن كل الأمراض التي تنخر الجزائر. داخل هذه الإدارة، «تعمل قوى الجمود (...) ضد استقرار البلاد وما زالت تأمل في تحقيق حالة من الفوضى».

هذه الإدارة لم تكن لتتصرف بمفردها، لأن يد مؤامرة دبرتها دول أجنبية وأعداء داخليون تبرز في خطب الرئيس الذي يستخدم الحيل المعروفة لدى السلطة الجزائرية. في هذه الحالة، الجناة هم « حزب فرنسا »، وعصابات شكلتها عشيرة بوتفليقة والذين سيحاولون بكل الوسائل للعودة بقوة لمواصلة سرق الشعب. وأزبد الرئيس الجزائري وتوعد قائلا: «التحقيقات جارية»، من أجل معرفة «من يفعل ماذا ومن يعرقل».

بالنسبة لمؤلفي الكتاب، فإن عبد المجيد يردد نفس الأسطوانة المعروفة: « لا يحدث أي شر في الجزائر دون تورط النوايا الخبيثة « للآخرين »، والذين هم فرنسا والمغرب أو أي دولة من شأنها أن تشكل شماعة إيديولوجية مناسبة ».

هكذا تأتي خطابات الرئيس الجزائري لتضخيم هذه «المؤامرات ضد البلاد، والتهديد الخارجي، وتحديد الخونة المتحالفين مع مؤامرات الخارج: الكل يستهدف الجزائر الجديدة!».

في لعبة الخداع هاته، من المهم ألا ننخدع. من وجهة نظر السلطة، ليست أهداف المستقبل المشترك الذي يجب بناؤه هي التي تحدد الأمة الجزائرية، بل أعداؤها. وصف المؤلفان تصور بناء الأمة عند السلطة الجزائرية بأنه تصور « شميثي » (نسبة إلى المفكر الألماني كارل شميث).

الجزائريون رهائن بين الخوف والشك

يعترف مؤلفا الكتاب، فإن العراقيل والمشاكل التي يطرحها التنظيم الإداري الجزائري هي حقيقة واقعة، «ولكن هل يمكننا أن نجعلها المتهم المثالي دون الأخذ بعين الاعتبار وضعها الحقيقي في علاقتها بالسلطة في الجزائر، خاصة بما يسميه الجزائريون بشكل عفوي اليوم الدولة العميقة؟».

هل يؤمن حقا هذا الشعب، الذين يلاحظ بلا حول ولا قوة منذ أربعين عاما، عشائرية النخب، والقبلية الجهوية، والمحسوبية الجامحة والجشع المذهل للطبقة الحاكمة، بكل هذا الثرثرة؟ الجواب على هذا السؤال يعرفه الآن عدد كبير من الجزائريين. جاء الجواب في الكتاب على لسان موظف حكومي سام متقاعد عمل لسنوات طويلة في وزارة مهمة: « الإدارة؟ انسداد كامل! الرئيس؟ توحد مثالي! إنه يفكر فقط في إعادة انتخابه لولاية ثانية! لكن من أجل ذلك، من أجل ذلك...عليك أن تظهر أنك رجل المرحلة وأن تمهد الطريق مسبقًا (...). الإدارة، في الواقع، لا تهمه. إنها كلمة في خطاباته وكبش فداء سهل».

ومع ذلك، تبقى الحقيقة أنه بفضل التهجمات وإطلاق التهديدات المنددة بهذه «المؤامرة الإدارية» الشهيرة، تمكن تبون من خلق ما يصفه المؤلفان بـ «متلازمة الاضطهاد»، في كل من المؤسسات الحكومية والإدارات، كما لدى مسؤولي الشركات العمومية، المتهمين أيضا.

لكن الرئيس الجزائري لم يتوقع مثل هذه التداعيات في أعقاب حملته المناهضة للإدارة. ولأنه فشل في إقناع مواطنيه، فقد مهد الطريق لحملة حقيقية شلت نشاط الإدارات، وكذلك الشركات العمومية.

والسبب هو القيام بحملة تشهير حقيقية ضد الموظفين، تغذيها بشكل رئيسي شكايات مجهولة المصدر، مما أدى إلى سلسلة من الإجراءات القانونية المتخذة دون مراعاة المساطر القانونية أو افتراض قرينة البراءة. خوفًا من الشكايات والسجن، قرر الموظفون تخفيض نشاطهم وعدم اتخاذ أي مبادرة، وبالتالي تأجيل معالجة الملفات المهمة إلى أجل غير مسمى.

بعد خلق مناخ من الرعب والريبة شل نشاط الإدارات والمؤسسات العمومية، اضطر الرئيس تبون إلى التراجع. وفي مذكرة موجهة إلى أعضاء الحكومة وأجهزة الأمن، ندد، ويا لها من مفارقة، بنفس « مناخ الخوف والريبة » الذي يشل نشاط البلاد، داعيا العدالة إلى عدم النظر في الشكايات مجهولة المصدر.

باختصار، أصدر تبون أوامر ندد بها، بعد بضعة أشهر، متجاهلا أنه هو صاحبها. في وسائل الإعلام الجزائرية، وكلها خاضعة للسلطة، لا أحد يجرؤ على تذكير الرئيس بأنه يحارب نفسه.

لا أحد يؤمن بعذرية تبون الإدارية

هذه المؤامرة الإدارية الواسعة التي سارع عبد المجيد تبون إلى وصفها بأنها « ثورة مضادة »، والتي تسمح له بإعادة إطلاق مفهوم « الجبهة الداخلية » التي ستبنى عليها « الجزائر الجديدة » وتطورها، ليست إلا حيلة لكنها لا تستطيع أن تخفي الحقيقة. بدءا من حقيقة تبون نفسه.

أن يكتشف الرئيس تبون ويلاحظ فجأة دور الإدارات الجزائرية في إعاقة التقدم الاقتصادي وضرب صورة الجزائر، فذلك « يبدو وكأنه قصة للأطفال »، بحسب المؤلفين. والسبب هو أنه قضى حياته المهنية بأكملها في نفس هذه الإدارة، ولا سيما إدارة وزارة الداخلية. لا أحد يؤمن بعذريته الإدارية.

ويؤكد الكاتبان أن «هذا المنتوج الخالص لجهاز الدولة يظهر كصورة كاريكاتورية للتكنوقراط المثالي» الذي «لا يشفع له مساره المهني الطويل داخل الإدارة».

في الواقع، لا يمكن أن يكون جاهلا بحالة الإدارات الجزائرية...ومع ذلك، فهو نفس الشخص الذي يشجب أمام الرأي العام الإدارة التي تربى فيها والذي ظل صامتا حتى عام 2020 بشأن هذه الاختلالات العديدة التي تعاني منها. وتهكم المؤلفان على تبون عندما قالا: « حوالي خمسين عاما من الصمت حيال هذه المؤامرة الكبيرة ضد الجزائر، على هؤلاء اللصوص الكبار الذين يستنزفون بلادهم. يتخيل المرء معاناته ».

إن استنكار تبون لـ »الجرائم الاقتصادية » المرتكبة ضد الاستثمار من قبل الإدارات هو في الحقيقة تضليل، لأن وضع الاستثمار في الجزائر، سواء في الصحة أو الزراعة أو التنويع الصناعي أو الرقمي، لا يمكن ألا يعرفه ولا يعرف أسبابه، بما في ذلك القاعدة الشهيرة المتمثلة في مساهمة الأقلية للأجانب 49/51، وانعدام الأمن القانوني للعقود أو حتى الفساد على أعلى مستوى في الدولة.

أية لعبة يلعبها عبد المجيد تبون؟

بسبب فشله في الإقناع، فإن الحيلة البئيسة التي استخدمها عبد المجيد تبون تكشف، في الأخير، كل ما يحاول « النظام » إخفاءه. إن عدم فعالية الإدارات الجزائرية هي أمر واضح ومؤكد بمرور الوقت.

وقال جون لويس ليفيت وبول توليلا «نعلم أن المحسوبية من آفات الإدارة الجزائرية، لكن تبون لا يتحدث عنها، لأنه لكي يكون هناك «أبناء أخ»، يجب أن يكون هناك «أعمام»...وهؤلاء يجب أن يظلوا هادئين».

مع الرئيس تبون، «لا يزال أمام الدولة العميقة مستقبل مشرق»، لأنه «من خلال الخلط بينها وبين الإدارة وحدها، التي تشكل عقبة أمام رغبات الإصلاح لدى السياسي، فإنها تترك المجال مفتوحا أمام ما يندد به الجزائريون بقوة: سيطرة الجيش على البلاد واقتصاده، ونهب الجماعات الاقتصادية والاجتماعية التي لها مصلحة في الوضع الراهن لمنطق النظام».

وهكذا، بالنسبة لعبد المجيد تبون، «يتعلق الأمر بفرض مناخ من عدم الاستقرار العام في جميع دوائر القرار الإداري تقريبا لتحديد من يمتلك السلطة، ومن هم الذين يصدرون الأوامر، والذين يصفرون بنهاية اللعبة».

وفي هذا السياق، فإن «عنف المصطلحات موجود فقط من أجل ذلك، والزج في السجون أيضا: الخوف هو السبيل لفرض الولاء والخضوع للسادة الجدد».

ولهذا يتساءل المؤلفان، عن حق، «هل هي جديدة حقا هذه الجزائر الجديدة؟ ». الأسطوانة تقادمت، أصبحت مشروخة، والجزائريون لا يصدقونها. بين قيادات النظام، الأسلوب يختلف، لكن بنية الخطاب تبقى هي نفسها: « كثيرون مذنبون وواحد هو البريء، السلطة الحاكمة».

تحرير من طرف زينب ابن زاهير
في 31/05/2023 على الساعة 07:00, تحديث بتاريخ 31/05/2023 على الساعة 07:00