تخليق الحياة السياسية ضرورة ملحة.. جرائم وأخطاء سياسيين تكسر المظلات الحزبية وتنهي وهم «الحصانة»

يرلمانيون جرى اعتقالهم

في 31/03/2024 على الساعة 21:00, تحديث بتاريخ 31/03/2024 على الساعة 21:00

تعيش مجموعة من الأحزاب المغربية وضعا صعبا بسبب خروج عدد من النواب والمستشارين عن جادة الصواب، وعدم صيانتهم أمانة المسؤولية التي تقلدوها عبر الحزب. وأضحى المهتمون والرأي العام الوطني يحصي أعداد السياسيين الذين وقعوا في المحظور وأصبحوا تحت طائلة القانون، إذ من بينهم من يقبعون في السجون تنفيذا للأحكام الصادرة في حقهم، أو جرى اعتقالهم على ذمة قضايا شدت أنظار الرأي العام الوطني ووضعت الأحزاب التي ينتمون إليها في موقف حرج.

وتوجد فئة أخرى تراهن على النقض الذي تتقدم به بعد صدور أحكام ابتدائية واستئنافية تقضي بحبسهم، جراء تبديد أموال عبر التلاعب بالصفقات، أو ارتكاب أخطاء جسيمة في حكم ذلك، واستغلال النفوذ للاتجار في المخدرات والتهريب الدولي وغيرها من السلوكات التي أكدنا في le360 أنها تضع صورة الأحزاب السياسية على المحك.

ضرورة تخليق الحياة السياسية والحزبية

يؤكد ما نعايشه أن جرائم سياسيين ومحسوبين على الأحزاب أن المظلات الحزبية التي كان الكثيرون يسعون للحصول عليها للتغطية على خروجهم عن القانون جرى تكسيرها من قبل الأشخاص أنفسهم، كما جرى في السياق نفسه إنهاء وهم « الحصانة ».

ورغم محاولات تبرير ما لا يبرر وجدت عدة أحزاب نفسها مضطرة إلى طرح تخليق الحياة الحزبية على طاولة النقاش، غير أن الشروع في ذلك أو التفكير فيه لم يعد كافيا، ليس من وجهة نظر المجتمع، بل أيضا في نظر قواعد الأحزاب، التي يجري القفز على قوانينها، لضم وتزكية من يمكنهم تمويل حملاتهم على حساب، من جرى تكوينهم الحزب وروافده من جمعيات وشبيبات وتدرجوا عبر محطات للوصول إلى الحزب.

فقد تحركت مياه الأحزاب الراكدة وكل ما يخص التعاطي مع موضوع القيادات والأعضاء الموضوعين تحت طائلة القانون، أو تعرض قضياهم أمام المحاكم، ويحاولون التغطية عليها عبر الإكثار من الأنشطة والخرجات الإعلامية للتغطية على لقضاياهم الشخصية، إذ لم يستسغ قياديون في حزب الاتحاد الدستوري حضور عضو المكتب السياسي عبد الواحد الخلوفي، رئيس الجلس الإقليمي الذي لم ينفض عنه غبار التورط طالما أنه أدين بعشر سنوات سجنا وكان من بين ممثلي الحزب خلال زيارة ضريح محمد الخامس في العاشر من رمضان ذكرى رحيل جد الملك محمد السادس.

ووضع ذلك الحضور محمد جودار رئيس الحزب في موقف حرج، جراء احتجاج أعضاء من المكتب السياسي، ومنتمين إلى الحزب وتأكيدهم على ضرورة إعمال وضع مسافة بين الحزب والمتهمين إلى أن تثبت براءتهم.

وكان موضوع مكاتب الدراسات تفاعل بشكل ملحوظ في الأوساط السياسية الوطنية، وبشكل أكبر داخل حزب الاتحاد الاشتراكي باعتباره معنيا بالموضوع، ويعود الجدل إلى التطرق للموضوع من قبل المجلس الأعلى للحسابات، بحكم منح الصفقة لمكتب دراسات يمتلكه ابن لشكر وابنة عضو في المكتب السياسي وأحد أعضائه.

وكان الموضوع حاضرا في الاجتماع الأخير للمكتب السياسي لحزب الوردة، وكان النقاش بخصوصه ساخنا، غير أن البلاغ الصادر عقب الاجتماع، والذي جرى تعميمه تشبث باختيار مكتب الدراسات الذي يراه مؤهلا لإنجاز المهمة ويمتلك مرجعية الحزب.

وكان عبد العزيز قراقي الأستاذ الجامعي والمحلل السياسي علق على الموضوع في تصريح سابق لـle360 بالقول إن « هناك أحزاب ذهبت إلى حد أنها تجرأت على المجلس الأعلى للحسابات، وأصبحت تشكك في آرائه وكيفية دراسته وهذا يبين إلى أي حد المنظومة الحزبية في بلادنا في حاجة إلى إعادة النظر ».

في حين قال رشيد لبكر، أستاذ القانون العام، في كلية الحقوق جامعة شعيب الدكالي بالجديدة في تصريح مماثل أن «ما كشفت عنه تقارير المجلس الأعلى للحسابات يظهر أن البون شاسع بين النظرية والواقع، إذ من المؤسف جدا ما ضمنه مراقبو المجلس الأعلى في تقاريرهم، والتي بينت بأن «فلوس الدعم» أصبحت مع الأسف عبارة عن بقرة حلوب بالنسبة لقيادة بعض أحزاب «الصفوة»، التي بدت مطوقة بعدد من الوقائع والملاحظات التي تحتاج إلى أجوبة، وحتى في حال إنكارها للوقائع الواردة في تقرير المحققين، فالأصل أن على هذه القيادات، التحلي بأخلاق التعفف ودرء الشبهات وترك مجال الدراسات لأصحابه المتخصصين، فليس صدفة أن كل المستفيدين من الدعم أسسوا شركات متخصصة في إنجاز الدراسات، وكأن مجال الاستثمار منحصرا فقط في مثل هذه الأنشطة، اللهم إن كانت هذه الشركات أسست فقط على مقاس الدعم ولغاية الانقضاض على الكعكة التي تسيل اللعاب، وربما ما خفي في باقي الأحزاب أعظم... ».

كريم تاج: موضوع تخليق الحياة السياسية والممارسة الحزبية يعالج بكثير من السطحية ومسؤولية الأحزاب ثابتة

وترى أحزاب ومناضلون أنه يجري التعامل معهم بقسوة وفي هذا الصدد يقول كريم تاج، عضو المكتب السياسي لحزب التقــدم والاشتراكية، إنه

« غالبا ما يعالج موضوع تخليق الحياة السياسية والممارسة الحزبية بكثير من السطحية والتعميم، والترويج لأفكار نمطية وجاهزة تصل احيانا من طرف بعض الجهات إلى حد تصفية الحساب مع الأحزاب واعتبار أنه يمكن حتى الاستغناء عنها، هكذا ».

وأوضح في تصريحه لـle360 « يجب بداية وضع الأمور في سياقها لأقول إن ما تشهده الأحزاب السياسية من اختلالات، وانا هنا أتحدث عن الأحزاب الجادة ذات الشرعية، ويمكن أن أحصرها في أحزاب الحركة الوطنية، طالما أن كل الأحزاب الأخرى « الإدارية »، إما أنها تحمل خطيئة النشأة او هي مكونات سياسية هامشية لا تأثير لها ».

وأضاف « هنا أقول إن أزمة القيم والأخلاق وانعدام النزاهة، وغيرها من مظاهر الاختلال تخترق، مع الأسف، العديد من المجالات والفضاءات داخل المجتمع، وليس فقط الفضاء السياسي والمنظومة الحزبية.

وبالتالي يجب مقاربة الموضوع بالقدر الكافي من الموضوعية، وتجنب التعميم، والبحث عن الأسباب الحقيقية الكامنة وراء ذلك. إن الموضوعية تقتضي الاعتراف بأنه فعلا هناك تراجع كبير داخل الوسط الحزبي والمجال السياسي عموما، لقيم النزاهة والتفاني ونكران الذات، وتآكل متواصل لمنطلقات النضال من أجل مثل ومبادئ وأفكار وتصورات في وقت انتشرت فيه، ولأسباب موضوعية لا يتسع المجال لبسطها، ممارسات وقناعات تقوم على الانتهازية، والفردانية، والسعي وراء طموحات شخصية، والإصرار على تحقيقها بأي ثمن حتى إن كانت غير مشروعة « .

وحسب كريم اتاج فإن « ما ساعد على تسلل هذه الانحرافات إلى الحقل الحزبي والسياسي، التجريف والإضعاف والتضييق، الذي تعرضت له الأحزاب السياسية الجادة لمدة طويلة من الزمن، ما أثر على قدرتها على الصمود والثبات على قيم العمل السياسي والحزبي النبيل نفسها الذي عرفه المغاربة حتى عهد قريب ».

ويرى عضو المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية أنه لحدود اليوم « تستمر محاولات المس بمكانة الأحزاب من طرف جهات مختلفة، تلتقي مصالحها بكيفية موضوعية في ألا تكون لنا في المغرب ديمقراطية سوية تؤطرها مؤسسات قوية، وذات مصداقية، وفي مقدمتها الأحزاب السياسية. ولتحقيق ذلك يجري استغلال كل مظاهر وتجليات اختلالات الحقل السياسي والحزبي وتقديمها على أساس انها الوجه الوحيد والشامل لممارسات كل الأحزاب، والسياسيين، في نوع من التعميم المقصود الذي تقف وراءه بعض الجهات وتروج له بعض الصحافة السائرة في ركابها ».

وأضاف « في مقابل فئة محدودة من المسؤولين الحزبيين أو المنتخبين وغيرهم الذين يقبلون على ممارسات غير قانونية أو انتهازية أو غير أخلاقية، (في مقابل ذلك) هناك عشرات المئات من المناضلات والمناضلين الشرفاء والنزهاء الذين يعملون، من داخل الأحزاب الجادة، في المدن والقرى والجبال لنشر قيم الديمقراطية والنزاهة والأخلاق ويترافعون حول قضايا المواطنات والمواطنين يوميا بنكران ذات واستقامة، بل ويوفرون ما يلزم من إمكانيات من أموالهم الخاصة لأنهم مؤمنين ومقتنعين بالمشروع والقيم والمثل التي يناضلون من أجلها ».

وختم كريم تاج تصريحه لنا بالقول « أكيد أن مسؤولية الأحزاب ثابتة وأكيدة في هذا المجال، وهي مدعوة إلى تحصين أعضائها ضد كل الشبهات، والعمل على نشر قيم النزاهة والالتزام والجدية والمصداقية وسط صفوفها، ولن يتأتى ذلك إلا بسياسة متزنة ومسؤولة للاستقطاب والتكوين والتربية على القيم النبيلة للعمل السياسي. لكن هذا الأمر هو أيضا من مسؤولية الدولة والسلطات العمومية المطالبة بتوفير كل مقومات العمل الحزبي والسياسي النبيل والهادف والمسؤول. ولعل اول ورش يجب الانكباب عليه هو ورش المنظومة القانونية والتنظيمية للانتخابات وكيف نجعل منها مسلكا ومدخلا لاستقطاب النخب الكفؤة والجادة والملتزمة بقيم الوطنية لتدبير الشأن العام محليا وجهويا ووطنيا، وليس كائنات انتخابية لا تكوين لها، ولا يتوفر لديها الحد الأدنى من الروح الوطنية، وتستقوي على المواطنين بأموال غالبا ما تكون مصادرها غير مشروعة. في نظري الإصلاح يبدأ من هنا وليس من مكان آخر ».

تحرير من طرف حسن العطافي
في 31/03/2024 على الساعة 21:00, تحديث بتاريخ 31/03/2024 على الساعة 21:00