الحصيلة الحكومية (6): ناصر بوريطة.. وجه الدبلوماسية الهجومية وغير المُعقّدة

ناصر بوريطة، وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج.

ناصر بوريطة، وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج. . DR

في 04/08/2021 على الساعة 09:00

في إطار سلسلة من المقالات المخصصة للحصيلة الحكومية، فإن وزير الخارجية هو الذي سيكون تحت المجهر هذا الأسبوع. ملاحظة عامة: إذا كان يبدو أنه محظوظ جدا، فإنه استطاع بالهدوء ألا يفقد البوصلة بالنسبة للدبلوماسية الهجومية.

"هل تعرف المغرب؟ أنا وزير خارجيتها!". لم يتفوه ناصر بوريطة بهذه الجملة قط، كما فعل سعد الدين العثماني، رئيس الحكومة الحالي، عندما كان رئيس الدبلوماسية المغربية، وهو يصافح فلاديمير بوتين.

هذا لأن الدبلوماسيين الأجانب يعرفون جيدا من هو ناصر بوريطة، وفوق كل شيء يعرفون قدرة المغرب، باعتباره قوة إقليمية، سواء أحب أو كره هؤلاء الذين يحاولون الادعاء عكس ذلك.

التحق ناصر بوريطة، ابن تاونات، وهي بلدة صغيرة قدمت رجال دولة كبار (الميداوي، الساهل، إلخ)، بوزارة الخارجية في عام 1992، بعد دراسته للعلاقات الدولية في جامعة محمد الخامس بالرباط. بدأ مساره في مديرية التعاون متعدد الأطراف، قبل أن يلتقي بالرجل الذي سيكون نقطة تحول حقيقية وحاسمة في حياته المهنية.

في مدرسة بنموسى

الراحل عبد الرحيم بنموسى غير معروف بالنسبة لعامة الناس. لكنه كان يتمتع بنوع من التبجيل بين أطر وزارة الخارجية، بسبب شخصيته، وقبل كل شيء لمعرفته. كان هذا هو الرجل، سفير المملكة في النمسا، هو الذي سيكون رئيس ناصر بوريطة، الذي التحق بفيينا في عام 1995 كسكرتير أول لسفارة المملكة في النمسا.

"عبد الرحيم بنموسى كان بارعاً في العلاقات الدولية. كانت لديه مقدرة وموهبة على تحديد أبعاد ملف متعدد الأطراف. هذا، إجمالا، ما نقله لبوريطة"، يتذكر مصدر كان يعرف الرجلين جيدا.

تمتع ناصر بوريطة منذ بداية حياته المهنية بمقدرة تحليلية وتركيبية قوية، وأصبح المساعد الرئيسي لعبد الرحيم بنموسى. وفيما توالت الترقيات، بطبيعة الحال: مستشارا بالمديرية العامة للعلاقات متعددة الأطراف والتعاون الدولي، في عام 2000، ورئيس قسم الأجهزة الرئيسية للأمم المتحدة، في عام 2002، كما تم تعيينه، في نفس العام، مستشارا لمهمة المغرب لدى المجموعة الأوروبية في بروكسل.

في دجنبر 2003، تم تعيين ناصر بوريطة رئيسا لقسم الأمم المتحدة بالوزارة. بعد ثلاث سنوات، أصبح مديرا للأمم المتحدة والمنظمات الدولية.

في عام 2009، رصده الطيب الفاسي الفهري وجعله مديرا لديوانه. بعدما أمضى عدة سنوات في منصب الكاتب العام للوزارة الاستراتيجي، عين وزيرا منتدبا في عام 2016، ثم وزيرا للخارجية عاما بعد ذلك.

المقاربة القانونية أولا

على الرغم من أن الديبلوماسية المغربية تظل مجالا سياديا لحاكم الدولة، فقد وجد ناصر بوريطة الأدوات المناسبة لتطبيق توجيهات وتعليمات الملك وتمكن من تعبئة أطر وزارته.

وقال دبلوماسي، طلب عدم الكشف عن هويته: "ناصر بوريطة آلة فكرية تعرف كيف تستوعب الملفات، وهو الذي يطلع بإمعان على أي ملف يوضع على مكتبه". أما نقطة قوته، كما يشرح المصدر نفسه، هي "مركزية المقاربة القانونية لجميع القضايا". هذه "المركزية" نفسها هي التي يتم استخدامها في مواجهة أعداء المغرب، خاصة عندما يتعلق الأمر بالصحراء المغربية، القضية الأولى للمملكة.

عندما شارك، على سبيل المثال، في الموائد المستديرة في جنيف، كانت هذه المقاربة القانونية هي التي استخدمها لتوجيه الضربة القاضية للبوليساريو من خلال نفي الصفة المفترضة باعتبارها الممثل الوحيد للصحراويين. منطقي تماما، خاصة وأن الوفد المغربي يتكون من مسؤولين منتخبين ورؤساء جهات صحراوية.

وقال دبلوماسي سابق: "استعاد المغرب مكانته داخل الاتحاد الإفريقي، لكن ما زال هناك عمل ينبغي القيام به، ويجب التحلي باليقظة والعمل 24 ساعة في اليوم، و7 أيام في الأسبوع". وكذلك عندما تقرر، على مستوى رؤساء الدول، فتح قنصلية في الداخلة أو العيون، ومن الضروري متابعة هذه القرارات وتجسيدها على أرض الواقع.

وتحتضن اليوم مدينتا الداخلة والعيون حوالي عشرين قنصلية، بما في ذلك القنصلية الأمريكية، واللقب الذي أصبح يطلق على بوريطة، هو "مول المقص"، وهو لقب يعبر عن عدد القنصليات التي فتحت في الصحراء، وحزم رئيس الدبلوماسية المغربية، الذي وجه ضربات موجعة لجبهة البوليساريو وعرابها الجزائري، منذ بداية نزاع الصحراء.

لا محرمات وبالتأكيد لا لإدارة الخد الآخر

وكان ناصر بوريطة قد قال خلال إحدى خرجاته الأخيرة إنه من أجل مصلحة المملكة، فإنه مستعد للتحالف مع الشيطان، ردا على سؤال حول استئناف العلاقات مع إسرائيل. بعبارة أخرى، جعلت دبلوماسيتنا البراغماتية أحد ركائز عقيدتها، التي تبحث أولا عن الدفاع عن مصالح المملكة.

وعندما تكون هذه المصالح موضوع مؤامرة، فإن الدبلوماسية المغربية لا تدير الخد الآخر، أو تتجاهل الأمر. هذا الحزم هو الذي تم التعامل به خلال الأزمة مع إيران، مع ألمانيا وخاصة مع إسبانيا التي استقبلت على أراضيها العدو الأول للمغرب، لأسباب إنسانية مزعومة.

ناصر بوريطة يقول لمن يريد أن يستمع إن عهد الأبوة قد انتهى، وإن من يريد التعامل مع المغرب يجب أن يفعل ذلك في احترام تام لمصالحه ولمؤسساته. علاقات الند للند وعلاقات رابح-رابح، أما غير ذلك، فالمغرب لا يمكنه أن ينخرط في اللعبة.

عندما قررت ألمانيا تجاهل المغرب خلال اجتماع برلين 1 بشأن ليبيا، قررت الرباط بدورها تجاهل الدعوة الموجهة إليها من أجل برلين 2. كما أن بوريطة معروف أيضا بردوده الحازمة وعباراته القاسية. 

"ليست هناك حلول برلينية لمشاكل تقع في شمال إفريقيا"، كان هذا هو تعليق وزير خارجيتنا على القمة الثانية حول ليبيا، التي عقدت في العاصمة الألمانية. وهو يعرف ما يتحدث عنه، فهو الذي حضر اجتماعات لا حصر لها في المغرب (الصخيرات، بوزنيقة وطنجة) شارك فيها أطراف الملف الليبي.

إعادة الاعتبار للدبلوماسي المحترف

عندما تولى ناصر بوريطة زمام وزارة الخارجية، وجد عددا كبيرا من زملائه الطلاب، ولكن أيضا بعض جيوب المقاومة. "هناك أناس يخيفهم التغيير، لكن كان من الضروري القيام به"، يؤكد هذا العارف بخبايا الوزارة. وكان من الضروري أيضا تدارك أو عدم تكرار الأخطاء التي اقترفت من قبل وبقيت محفورة في سجلات هذه الوزارة.

وزير سابق، على سبيل المثال، اتخذ قرارا بإجراء حركة واسعة همت نحو 70 دبلوماسيا دون إخطارهم، في حين أن القاعدة تتمثل في استشارة مطولة مع جميع المعنيين. وأوضحت مصادرنا أن "الراحل عالم المنور، بعد صراعه القوي داخل أروقة الاتحاد الأوروبي لمدة 11 عاما، وجد نفسه سفيرا في اسطنبول، وهو الذي كان يحلم بالعودة إلى الرباط للاستعداد لتقاعده". و الأسوء من ذلك: تم تعيين شخصية أخرى ناطقة بالإسبانية سفيرة في دولة ذات وزن ناطقة الإنجليزية... كانت لديها الشجاعة لتكتب إلى الديوان الملكي للاعتذار عن عدم قدرتها على الخدمة في بلد لا يمكنها أن تقدم فيها شيئا ذا قيمة. أما السفراء الآخرون، من الأحزاب أو المجتمع المدني، فقد تم تعيينهم، دون نتائج تذكر.

هذا الخلل الوظيفي أصبح مع ناصر بوريطة من الماضي. عمل على إعادة تأهيل الدبلوماسيين المحترفين الذين كانوا يشعرون بأنهم مهمشون. تأتي الجدارة والكفاءة أولا، ولتحمل منصب سام، يتعين على الشخص أن يخوض مباراة داخلية وأن يخضع لدفتر تحملات صارم، مع التزام بالنتيجة.

كما تعهد في إطار ولايته بتأنيث موظفي الوزارة على جميع المستويات. من منصبه السابق كمدير ديوان والكاتب العام، احتفظ بوريطة بقدرة، وصفت بأنها "غير عادية"، للقيام بعمل كبير. حجم العمل الذي يقوم به يجعله مدمن عمل.

يؤكد إطار في وزارة الخارجية، قائلا: "نحن لا نعرف حقا متى ينام. إنه يرد أحيانا على رسالة نصية في الساعة الـ4 صباحا". لكنه من المؤكد أنه في بعض الأحيان يأخذ قيلولة خلال رحلة تربط بين عاصمتين. لأنه متأكد من أنه في اليوم الذي سيغادر فيه الوزارة، سيكون مليونيرا... من حيث الأميال التي قطعها.

© Copyright : DR

© Copyright : DR

تحرير من طرف محمد بودرهم
في 04/08/2021 على الساعة 09:00