وحسب بلاغ للمنظمين، فقد شارك في هذه الدورة، «التي كانت استثنائية على أكثر من مستوى»، فنانون أتوا من الولايات المتحدة الأمريكية وبوروندي وباكستان وفرنسا وألمانيا وبلجيكا وكوبا وغيرها، لبوا دعوة المعلمين الكناويين، مؤكدين على مدى الثقة التي يضعونها في المهرجان، والتي بنيت، منذ سنوات، على العمل الجاد والمثابرة، وبصفة عامة، على فلسفة التظاهرة القائمة على التقاسم والاكتشاف والأخوة.
وأبرز البلاغ أن هذه الدورة تميزت بالجمهور الرائع الذي أتى وبأعداد كبيرة من مختلف بقاع العالم، والذي قارب تعداده 300 ألف مرتاد تجول بين ساحة مولاي الحسن ومنصة الشاطئ وبرج باب مراكش، وبين أماكن وفضاءات متميزة وحميمية كدار الصويري وبيت الذاكرة أو بزاوية عيساوة، فضلا عن برنامجها الموسيقي الغني والحافل والمتاح للجميع، والمنظم تحت شعار الفرح والتلاحم والتقاسم، حيث أهدى أكثر من 35 « معلم » كناوي للجمهور لحظات خالدة عبر وصلات من المزج الموسيقي المدروس والجريء، والفن الكناوي في أصالته ونبعه الصافي.
وعرف الحفل الافتتاحي الذي شهد فرحة تجديد اللقاء، مزجا وتمازجا استثنائيا بين عنصرين ثقافيين مصنفين ضمن لائحة التراث الإنساني اللامادي من طرف منظمة اليونيسكو، ممثلين في فرقة طبول البورندي أماكابا وفرقة كناوة المغربية بقيادة الأخوين كويو، كما تميز بمشاركة عازف السكسفون المتميز جوييل شاو، ومصاحبة الفنانة المغربية المقتدرة سناء مرحاتي.
وعبرت الفنانة البلجيكية ذات الصوت السحري والقوي، سيلا سو، في إحدى أمسيات المهرجان (22 يونيو) عن غبطتها وفرحها باكتشاف وتقاسم لحظات متميزة مع جمهور متفاعل وحيوي. حفل سيظل راسخا، وإلى الأبد، في ذاكرتها كما في ذاكرة من حضره.
نفس اليوم أيضا، عرف إحياء حفل موسيقي جمع بين « المعلم » خالد سانسي وبين الفرقة الموسيقية الأكثر تمثيلا للموسيقى الأفرو-كوبية: « إلكوميتي »، لقاء موسيقي أثبت مرة أخرى الجذور المشتركة للأصوات والنغمات والتأثيرات الفنية التي تجمع بين الموسيقى الكناوية ذات الأصل والمنشأ الإفريقي وبين باقي موسيقات العالم ».
كما قدمت مجموعة « هوبا هوبا سبيريت » عرضا موسيقيا أبهرت به رواد ساحة مولاي الحسن.
وعرفت أمسية يوم 23 يونيو مشاركة ثانية ومتميزة للفرقة الكوبية « إلكوميتي » إضافة إلى العرض المبهر والناجح للفنان فهد بنشمسي و& لالاس اللذين أقيما ببرج باب مراكش التاريخي. في حين عرفت منصة ساحة مولاي الحسن، في نفس اليوم، مرور أحد أساطير الموسيقى الأفرو-كوبية وعضو مشروع « بوينا فيستا سوسيال كلوب »، الفنان ايليديس أوشوا، الذي سافر بمحبيه وبالحضور إلى عوالم رومانسية حالمة.
اللقاء الفني بين فرقة عيساوة فاس « ناس الحال » وبين أستاذ الكوالي، الباكستاني فايز علي فايز، حلق بالجمهور الحاضر في عالم روحاني، إلى جانب فرقة الروك المغربية « هوبا هوبا سبيريت » رفقة أنور زرهوني ورضوان حميمر اللذين حلا بالصويرة قادمين إليها من خارج المغرب خصيصا ليحيوا حفلا تاريخيا بعد مرور عشرين عاما عن أول ظهور لهم بمهرجان كناوة وموسيقى العالم بالصويرة. حفل حضرته مختلف الفئات العمرية من داخل المغرب كما من خارجه، ورددت مع الفرقة أشهر أغانيها ك »bienvenue à casa " التي عوضت ب »bienvenue à Essaouira « .
في الجهة الأخرى من المدينة، وفوق منصة الشاطئ، قدم « المعلم » عمر الحياة المعروف بطريقة عزفه الخاصة واستعراضاته الراقصة والمثيرة فوق الخشبة، عرضا موسيقيا قويا، في حين استمتع محبو الفن الكناوي الأصيل ب « ليلات » روحانية من التقاليد التراثية الخالصة « للطبوع » الصويرية والمسفيوية والرودانية والشمالية.
وحسب المنظمين، منحت أمسيات يوم السبت لرواد المهرجان شحنة عاطفية وحسية قوية من خلال فقرات مزج موسيقي، وطاقة إبداعية فياضة وإيقاعات عالمية. فعلى منصة باب مراكش، قدم الثلاثي جبران، القادم من فلسطين، تكريما مؤثرا للشاعر محمود درويش، حيث انصهرت وتوحدت أصواتهم بأصوات الجمهور الحاضر مرددين معا أغاني خالدة في أذهان الجميع.
ومن بين أهم لحظات هذه الدورة، اللقاء الفني الذي جمع بين « المعلم » مجيد بقاس والعازف المتميز على آلة الفيبرافون دافيد باتروا، ومينينو غاراي مبدع أسلوب « سبوكن وورد »، وعازف الإيقاع مختار صامبا، وعازف الساكسفون أكسيل كميل، والذين قدموا من خلاله نتاج عمل الإقامة الفنية التي جمعتهم والتي أبهروا من خلال فقراتها الحضور.
حفل آخر تميز بقوة الأداء وسحره، قدمته سيدات وديفات إفريقيا وجمع بين فرقتي أمازونيات إفريقيا وبنات تومبوكتو برئاسة « المعلمة » الكناوية أسماء حمزاوي، والذي أكد مرة أخرى تجذر المهرجان في محيطه الإفريقي.
تجربة استثنائية أيضا، أقيمت تحت عنوان المزج والتمازج الفني وقيم التقاسم، جمعت بين أحد رواد ونجوم الخشبات بالمغرب، « المعلم » حميد القصري مصحوبا بالفنانين جليل شاو وتورستن دو وينكل ومصطفى عنتري. تجربة أبهرت بخليطها المدروس الجمهور الغفير الذي حج لساحة مولاي الحسن للاستمتاع بهذه اللحظات الاستثنائية.
أما الحفل الختامي الذي احتضنته منصة الشاطئ، فأحيته الفرقة المشهورة « كناوة ديفيزيون » بقيادة نجمها ذي الشخصية الكاريزماتية والجذابة، أمازيغ كاتب، الذي عاود اللقاء مع جمهوره الكبير ومع مدينة الصويرة بعد غياب دام لسنوات.
وموازاة مع الأمسيات الفنية، شكل المهرجان من خلال الدورة العاشرة لمنتدى المهرجان لحقوق الإنسان مناسبة لمناقشة قضايا وإشكاليات رئيسة ومحورية من طرف متدخلين متميزين. كما عمل المنتدى على لم صفوة من الأكاديميين والمثقفين والمتدخلين الجمعويين والحقوقيين والفنانين للتداول حول موضوع « الهويات المتعددة وسؤال الانتماء ».
فعلى مدى يومين من عمر المهرجان، تمكن الحضور من الانخراط في نقاشات جدية وعميقة مع مفكرين وأساتذة مختصين من مختلف الآفاق الثقافية والإيديولوجية والجغرافية، كما هو الشأن بالنسبة للمؤرخ باتريك بوشرون عضو كوليج فرنسا، وعالم الأنتربولوجيا والمؤرخ والأستاذ بجامعة كاليفورنيا، لوس أنجلس د. عمر بوم، وأستاذ مادة الفلسفة ياكوبا كوناطي، والرئيسة المديرة العامة للشركة العالمية صولفاي: إلهام قدري، وبمشاركة متميزة أيضا من طرف فنانين موسيقيين كمينينو غاراي أو ممثلات عن المجتمع المدني ونساء من عالم السياسة كفضيلة ميحال مؤسسة « ماريان للتنوع » ومنتخبة ممثلة مدينة باريس.
وحسب المصدر ذاته، نظم الملتقى على شكل ست جلسات عرفت نقاشات وحوارات غنية جمعت بين المتدخلين الرئيسيين وبين عموم الحضور، وتمحورت حول أسئلة وإشكالات متعلقة ب « التوتر الهوياتي، هل هو شر كوني؟ » و »الهويات المطمئنة، نحو عالم أخوي » أو » أفراد وجماعات وأمم: هل هناك حاجة للهوية؟ »...
وفي معرض افتتاحها لدورة هذه السنة من المنتدى، ذكرت نائلة التازي، منتجة مهرجان كناوة وموسيقى العالم، بأن « جوهر وفلسفة المهرجان ومنتداه يرتكزان أساسا على خلق فضاء يمكن من خلاله وفي إطاره الحوار والتبادل الفكري بكل حرية ومساواة، حول قضايا جوهرية تهم الإنسانية جمعاء »، مضيفة أن " تيمة المنتدى تندرج في إطار المبادرات البناءة التي حاولت منذ قرون تحرير الإنسان، وهذا بالضبط ما نسعى إليه هنا، تحرير العقول ».
من جانبه، قال السيد ادريس اليزمي، رئيس مجلس الجالية المغربية المقيمة بالخارج، إن " المجتمع المغربي يكتشف حاليا، وفي بعض الأحيان بدهشة (..)، حقيقة كونه مجتمعا متنوعا منفتحا على التأثيرات العالمية، ولهذا فإن جل المتدخلين المغاربة معنيون بإشكالية تدبير هذا التنوع وقبول الآخر ».
وتضمن برنامج المهرجان أيضا لحظات لقاء ممتعة مع الفنانين، وورشات تكوينية، ومشروعا لدعم جيل جديد من الشباب الكناوي. كما التقى كل من الصحفيين ومرتادي المهرجان والمتدخلين الثقافيين في جلسة مغربية أصيلة حول كأس شاي، خلال فقرة « شجرة الكلام » التي تنظم زوال كل يوم بأحد رياضات المدينة العتيقة، للتداول والحوار مع الفنانين المشاركين في دورة هذه السنة.
وفي إطار السعي للحفاظ على استمرارية الفن الكناوي الأصيل والممارسات المرتبطة به، بادرت جمعية « يرمى كناوة » هذه السنة إلى إحداث مشروع « ولاد بامبرا »، وذلك بهدف منح الشباب الكناوي فرصة اللقاء والاحتكاك والاستفادة من المعلمين المكرسين، من خلال مشاركة 8 من الشباب الكناوي ممثلين ل 8 جهات: الصويرة، وآسفي، والرباط، والدار البيضاء، ومراكش، وطنجة، وأصيلة، وأكادير. هؤلاء المشاركون قدموا عروضهم الفنية أمام لجنة مكونة من معلمين كبار ومهتمين بالشأن الثقافي والموسيقي التراثي، واستفادوا من توجيهاتهم ونصائحهم وخبرتهم.
وعلى غرار السنوات السابقة، يضيف المصدر ذاته، تمكن المهرجان « من عزف أنشودته الفريدة باقتدار وحنكة، أنشودة حيكت ومزجت تفاصيلها الدقيقة بمكونات كيميائية مضبوطة واستثنائية جمعت بين قيم اللقاء والتقاسم الهادئ، والصداقات الجديدة والمتجددة، مما جعل من الدورة 24 تنخرط، أكثر من أي وقت مضى، في إطار الإرادة والرؤية الهادفة الى جعل مهرجان كناوة وموسيقى العالم بالصويرة، فضاء للتجارب الموسيقية الفريدة وغير المسبوقة، وموعدا دائما للقاء بين المعلمين الكناويين ونظرائهم من كبار فناني الجاز وموسيقيي العالم، وفضاء للحوار والنقاش والانخراط في المبادرات البناءة الهادفة إلى إعادة تشكيل العالم ».
وخلص بلاغ المنظمين إلى أن مهرجان كناوة وموسيقى العالم بالصويرة حظي هذه السنة بتغطية ودعم إعلامي استثنائي من هيئات ومؤسسات حجت من مختلف بقاع العالم، حيث حضره أزيد من 300 صحفي أتوا من المغرب وإيطاليا واسبانيا والولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا وفرنسا والبرتغال وانجلترا وتركيا وقطر والامارات العربية المتحدة.